"مصادرة الممتلكات"... بدعة الحوثيين لتمويل الحرب ومعاقبة الخصوم

على الرغم من أن الهدنة في اليمن، المستمرة للشهر الخامس على التوالي، أدت إلى تراجع المعارك، إلا أنها لم توقف "الحرب" التي يشنّها الحوثيون لمصادرة وحجز ممتلكات معارضيهم في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة، سواء أولئك الذين غادروا إلى خارج اليمن، أو الموجودين في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.

عمليات السطو على الشركات والمؤسسات، وصولاً إلى المنازل، ومختلف الممتلكات الأخرى، أنتجت للحوثيين إمبراطورية مالية ضخمة خلال سنوات، أسهمت في تمويل حربهم المستمرة منذ نحو 8 سنوات. وعلى الرغم من اعتبار خطوات الحوثيين هذه غير قانونية، فإن أحداً لم يستطع تحدي قرارات الجماعة والتصدي لها.

حملة متجددة لمصادرة الممتلكات

يعمل الحوثيون منذ أكثر من أربع سنوات على وضع أيديهم على الأموال الخاصة لمعارضيهم، بالإضافة إلى جميع الاستثمارات، باعتبارها أحد أهم الروافد الاقتصادية لتمويل الحرب وجبهات القتال. أما المؤسسات التي لا يستطيعون السيطرة عليها، فيفرضون عليها جبايات مالية كبيرة.

ومطلع العام الحالي، بدأت الجماعة حملة جديدة لمصادرة أملاك خاصة لشخصيات سياسية وعسكرية في صنعاء وعدد من المحافظات الأخرى. ووسع الحوثيون عملية المصادرة لتشمل أملاكاً في القرى ومحافظات أخرى، من دون أن يخفوا ذلك، إذ تتداول وسائل الإعلام الحوثية أخباراً لحجز ومصادرة الممتلكات.

منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، أقدم الحوثيون في صنعاء على حجز منزل الأكاديمي نصر السلامي، المعتقل في سجونهم منذ ست سنوات، والمحكوم عليه بالإعدام بتهمة التعاون مع التحالف، ضمن الكثير من المنازل والممتلكات الخاصة التي يحجزونها ويسعون لمصادرتها.

السلامي هو أكاديمي في العلوم الشرعية وقيادي في حزب "الإصلاح"، اختطفه الحوثيون من منزله في صنعاء عام 2016، وصدر حكم بإعدامه في يوليو/تموز 2019، ولا يزال في سجون الجماعة. وهو ليس الوحيد من الذين حجز الحوثيون منزله، بل سبقه الكثير من السياسيين، بالإضافة إلى مؤسسات وشركات مملوكة جزئياً أو كلياً لمستثمرين محسوبين على أحزاب سياسية يمنية مناهضة للحوثيين.

مصدر مقرّب من أسرة السلامي قال، إن "الحوثيين أصدروا قراراً بحجز المنزل، ووصلت إليه أطقم تضم مسلحين يتبعون الجماعة، وكتبوا بطلاء على سور المنزل أمر الحجز، من دون أي مبرر قانوني أو الأخذ بالاعتبار أن صاحب المنزل ما زال مسجوناً لديهم".

وأوضح المصدر أن "حجز المنزل كان بأمر من المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة، وعندما طلبنا من المحكمة توضيح السبب نفت قيامها بإصدار أي قرار في شهر مايو/أيار الماضي (أي بعد 5 أشهر من الحجز)". وتابع: "عملية الحجز سياسية بحتة، ومحاولة للسطو على أملاك السلامي وأسرته بعد 6 سنوات من سجنه والحكم عليه بالإعدام بتهم كيدية".

وفي 28 يوليو/تموز الماضي، كشفت وثيقة، عن إشعار بالحجز من قبل الحوثيين على منزل البرلماني عن حزب "المؤتمر" أحمد محمد الأصبحي، في مديرية السبعين بأمانة صنعاء. والأصبحي هو مرشح عن دائرة انتخابية في محافظة تعز، ويعد من القيادات اليمنية التي غادرت البلاد.

ووصفت الوثيقة الأصبحي بأنه "فار من وجه العدالة بتهمة اقتراف جرائم ماسة بأمن الدولة وإعانة العدو والتخابر مع دولة أجنبية". وفي الوثيقة توقيع كمال أحمد الأصبحي، نجل البرلماني، على الإشعار الذي يصف والده بـ"الخائن"، ويصف نفسه بـ"ابن الخائن".

وتعد حملات المصادرة والحجز من الوسائل التي تضغط بها جماعة الحوثيين على المساندين للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ضمن عملية ابتزاز واسعة يُستخدَم فيها القضاء كأداة تنفيذية، ويتم استهداف السياسيين والعسكريين البارزين والشخصيات المؤثرة على مستوى المناطق والمحافظات.

وفي محافظة إب (وسط البلاد)، قال جمال محسن إن الحوثيين احتجزوا أرضية صغيرة (حوالي 450 متراً مربعاً) مملوكة لشقيقه الجندي ضمن القوات الحكومية في مأرب، وطلبوا من أسرته إما دعوته لمغادرة مأرب وإنهاء علاقته بالجيش، أو دفع أموال لصالح المجهود الحربي. وأضاف جمال، في حديثه، أن "قيادات الحوثيين عادوا وطلبوا منا دفع مبلغ مالي باهظ مقابل إنهاء الحجز على الأرضية، أو أن ينضم أحد من إخواننا للقتال في صفوفهم، وهددونا بأنهم سيصادرونها كلياً إذا لم نلبِ شروطهم".

وعام 2021، عمل الحوثيون أثناء الهجوم المتتالي على مدينة مأرب، على إنشاء قاعدة بيانات واسعة بالجنود والقيادات الموجودين في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وكلفوا القيادات المحلية التابعة لهم بإجراء اتصالات معهم ومع أقاربهم والطلب منهم العودة، وإلا تهديدهم بمصادرة ممتلكاتهم.

أراضِ ممنوع التحكّم بها

في منطقة جبلية مطلة على صنعاء، تم منع محمد الشهاري من البناء على قطعة أرض اشتراها قبل نحو 20 عاماً في منطقة "الخمسين"، بعد توجيهات خلال السنوات الماضية من لجنة عسكرية تتبع جماعة الحوثيين بمنع البناء على مساحات واسعة في محيط صنعاء الجبلي.

وقال الشهاري، إنه خلال السنوات الماضية منع الحوثيون البناء على جميع الأراضي في مساحات واسعة بمحيط العاصمة، على الرغم من أنها ملكية خاصة، وفرضوا حراسات على المنطقة بشكل كامل، وقالوا إنها منطقة عسكرية وممنوع البناء فيها. وأضاف: "لا يوجد أي معسكر قريب من تلك الأراضي وغالبيتها ملكية خاصة، وعلى الرغم من تظلّمنا لدى قيادات جماعة الحوثي، لكنهم يرفضون ذلك ولا يعطونا أي حل، وآخر ما أبلغونا به أن من يريد البناء في أرضه يوقّع على وثيقة تسمح للسلطات بإزالة البناء تحت أي ظرف".

لجنة مصادرة حوثية

يقول الحوثيون إنهم يطبّقون قرارات القضاء في الحجر على الأموال والممتلكات التي تصدر أحكام قضائية فيها، غير أن محامين يقولون إن الأحكام التي تصدرها محاكم حوثية في صنعاء تفتقر إلى أدنى متطلبات الإجراءات العادلة. ويستخدم الحوثيون القضاء أداة ابتزاز وتهديد لخصومهم، سواء المقيمين في البلاد أو من غادروها خلال السنوات الماضية.

وفي عام 2018 أعلن الحوثيون رسمياً عن تشكيل ما أسموها "لجنة حصر ومصادرة أموال المرتزقة"، تستهدف أموال المعارضين لها بتهمة أنهم مع التحالف الذي تقوده السعودية.

وقال المحامي عبد المجيد صبرة، إن "هذه اللجنة قامت بالاستيلاء على ومصادرة أموال كثير من الناس قبل ظهور مسمّى الحارس القضائي، الذي وإن كان مصطلحاً قانونياً، لكن يتم استخدامه بشكل غير قانوني". وأضاف: "وفقاً للقانون ليس لهم الحق في فرض الحراسة القضائية على أموال خصومهم، حتى وفقاً للشروط القانونية، كونهم في الأساس سلطة غير شرعية، وكل ما يقومون به يعدّ في حكم النهب ومصادرة أموال خصومهم السياسيين".

وأشار صبرة، المحامي المطلع على تلك القضايا، إلى أن "مسمى الحارس القضائي هو مجرد غطاء للجنة الحوثيين لمصادرة الأموال، ولا علاقة له بمفهوم الحراسة القضائية القانونية، وكان يعمل في المهمتين شخص واحد حتى قبل فترة قصيرة تم تغييره".

وعيّن الحوثيون محمد مسفر الشاعر، حارساً قضائياً، وهو من ضمن المطلوبين للتحالف الذي تقوده السعودية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، جرى إدراجه في قوائم الإرهاب من قبل مجلس الأمن، وفرضت عليه الخزانة الأميركية عقوبات باعتباره أحد أهم الأذرع الاقتصادية والعسكرية للحوثيين ومسؤولاً عن نهب أموال اليمنيين.

وتم تعيين الشاعر أخيراً في إدارة وحدة التصنيع الحربي للحوثيين، ويتم فيها تصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة، إلى جانب عمله مساعد وزير الدفاع للموارد البشرية ورئيس هيئة الإسناد اللوجستي التابعة للحوثيين. ويرجح أن الحوثيين عملوا على إزاحة الشاعر من مهمة الحارس القضائي بعد العقوبات الأميركية التي فرضت عليه.

ورأى صبرة أن "الإجراءات التي يتّبعها الحوثيون غير قانونية، وما تقوم به النيابة في الواقع وهو طلب الحجز من المحكمة لمجرد تلقيها مذكرة من لجنة الحصر الحوثية، وقبولها تلك المذكرة، هو إجراء منعدم قانوناً، وكذلك ينطبق الأمر على إصدار المحكمة قرارات التحفظ والمصادرة".

وأضاف أن "تسخير القضاء لمصالح جماعة الحوثي ضد خصومهم السياسيين على حساب القانون والدستور انتهاك خطير وغير مسبوق في تاريخ القضاء اليمني لمبدأ استقلال وحيادية القضاء ونزاهته"، مشيراً إلى "أن الحارس القضائي مجرد غطاء لتكوين جماعة الحوثي إمبراطورية مالية، فقد استهدفت معظم الشركات التجارية والبنوك الخاصة والجامعات الأهلية وصادرتها". 

وتابع: "حتى تلك المصادرة التي يجيزها القانون لا تشمل المسكن الوحيد للشخص المطلوب ولا مصدر قوته وأسرته، وهو ما لا تلتزم به جماعة الحوثيين، فقد أجبرت الكثير من عائلات خصومها السياسيين على الخروج من مساكنهم الوحيدة وتركتهم في العراء".

واعتبر صبرة "أن الأحكام الحوثية مجرد استغلال للسلطة القضائية وتجييرها لمصلحتهم ضد خصومهم السياسيين، وانتهاك خطير لاستقلال القضاء، وهي عدمية، بالإضافة إلى صدورها من سلطه غير شرعية وغير معترف بها".

مداخيل بمليارات الدولارات للحوثيين

تتجاوز قيمة الأموال والشركات والمؤسسات والجمعيات التي استولى عليها الحارس القضائي 1,7 مليار دولار، فيما قُدّرت قيمة الأموال والإيرادات التي استولت عليها جماعة الحوثي للأصول والعقارات والمنقولات بأكثر من ملياري دولار، وفق تقرير استقصائي لمنظمة "سام" اليمنية (منظمة غير حكومية مقرها جنيف). ولا يشمل هذا الرقم المال العام وعقارات ومؤسسات الدولة.

ورصد تقرير "سام" 38 شركة كبرى ومؤسسة وجامعة ومستشفى، استولى عليها الحارس القضائي في صنعاء وحدها. وكشف عن تطور الآليات والإجراءات التي يستخدمها الحوثيون لمصادرة أموال الخصوم، من الطرق التقليدية المعتمدة على القوة القسرية، إلى عمليات مصادرة ونهب منظمة وواسعة عبر شبكات واسعة تشمل القضاء، والبنك المركزي، والأمن، والمخابرات التابعة للجماعة، وجهات أخرى تأتمر بأمر الحارس القضائي.

وقال مصدران في شركات ومؤسسات جرت مصادرتها في صنعاء، إن الحوثيين يستهدفون أولاً فرض مديرين لأهم الإدارات المالية والمبيعات والمشتريات، ولا تهمهم الكفاءة في التعيين أو مستقبل المؤسسات التي يسيطرون عليها.

وقال مصدر في مستشفى جامعة العلوم في صنعاء، إن الحوثيين فور سيطرتهم على المستشفى بدأوا بالتفاوض كم سيحصلون على الأموال يومياً مقابل السماح للإدارة بالعمل بهامش من الحرية من دون التدخّل الكلي بكل تفاصيل الإدارة. وتابع: "نشهد حالياً تدهوراً في الخدمات التي يقدّمها المستشفى وتراكماً للديون، بعد تحكّم الحوثيين المطلق بإدارته، وحتى الأجهزة التالفة لا نستطيع شراءها بسبب العجز المالي الذي تسبّبت به عمليات الصرف لصالح الحوثيين".

من جهته، تحدث مصدر آخر في الغرفة التجارية في صنعاء، عن "أن غالبية المؤسسات التي سيطر عليها الحوثيون تعاني من مشاكل مالية وإدارية وتدهور في خدماتها نتيجة التدخّل المباشر من قبل أشخاص يجري تعيينهم وفرضهم في الإدارة الرئيسية، ولا يملكون خبرة كافية". وأضاف: "بعض الشركات والمؤسسات المحجوز عليها غُيّرت سجلاتها التجارية باسم الحارس القضائي، وبموجب ذلك يجري تنصيبه رئيساً لمجلس إداراتها".

وفي السياق، قال رئيس منظمة "سام"، توفيق الحميدي، إن "عمليات النهب لا تزال مستمرة وبمستويات متعددة، سواء عبر ما يسمى بالحارس القضائي والمحكمة التي خصصت لمصادرة أموال المعارضين، أو ما يسمى لجنة الحصر (هيئة إدارية) تتبع المكتب السياسي للحوثيين، أو أموال الاحتفالات والمناسبات".

العربي الجديد - ياسر حُميد