هل ملّ المجتمع الدولي من الحرب في اليمن ويسعى بقوة لإيقافها؟

بدأت بوادر إيقاف الحرب تلوح في الأفق، بحسب المستجدات الأخيرة على الساحة اليمنية، ومؤشرات الوساطة العمانية، بالإضافة إلى تواجد المبعوث الأممي إلى اليمن في صنعاء، وتقديم إحاطته لمجلس الأمن الدولي من داخل المدينة المختطفة حوثيًا.

ورغم أن البعض استاء من مثل هكذا خطوة يقدم عليها المبعوث الأممي، إلا أن آخرين اعتبروا ذلك دلالة على قرب انفراج الأزمة اليمنية وقبول الحوثيين بحل سلمي ينهي سنوات الحرب.

لكن لا أحد يستطيع الجزم يقينًا بأن الأمر سيحدث بهكذا سلاسة، كون الوضع في اليمن معقدا للغاية، وتحقيق السلام يحتاج إلى تفكيك وحلحلة الكثير من تلك التعقيدات المتداخلة، بالإضافة إلى ضرورة استيعاب حقائق ومحاذير عديدة قد تحول دون تحقيق سلام فاعل ومستدامة.

وهذا ما يخلق الكثير من العوامل المتباينة تجاه إمكانية تحقق السلام في اليمن، فرغم الجهود الحثيثة دوليًا وإقليميًا إلا أن ثمة ما قد يمنع الوصول إلى هذه الغاية، بناءً على معطيات عديدة تختلف، تقربنا تارةً من تسوية مرتقبة، وتبعدنا تارةً أخرى.

> طول أمد الحرب

الأزمة اليمنية الراهنة التي تعود جذورها إلى العام 2011، بلغت أوجها مطلع العام 2015، من خلال حرب إقليمية واسعة لم تكن بمنأى عن تدخلات دولية، وهي ارتباطات جعلت منها أطول حربٍ تشهدها المنطقة، بعد الحرب الأهلية اللبنانية، وحرب إيران والعراق.

طول أمد الحرب في اليمن الذي قارب السنوات التسع، خلّف أسوأ أزمة إنسانية يعيشها العالم، والمتمثلة في التبعات المعيشية والإنسانية للحرب التي قاربت عقدًا من الزمان وانعكست على مختلف مناحي الحياة في البلاد المنهك أصلًا.

وربما هذا ما قد يقود بالفعل نحو نهاية وشيكة للقتال في اليمن، ووضع حد للصراع الذي دمّر كل شيء وأعاد البلاد مئات السنين إلى الخلف، وجعلها مقطعة الأوصال بلا مؤسسات فاعلة أو حتى سيادة، وهو وضع لم يقتصر فقط على الوضع المحلي.

فطول أمد الحرب في اليمن بات مهددًا للملاحة البحرية الدولية، وأمرًا محدقًا حد الخطورة بتجارة الوقود العالمية، كون الممرات اليمنية تسيطر على نحو 40 % من حركة النفط بين الشرق والغرب، بالإضافة إلى الحركة التجارية عبر ذات المنافذ التي تطل عليها اليمن.

كما أن أزمة الركود الاقتصادي التي يشهدها العالم خلال السنوات الثلاث الماضية؛ نتيجة جائحة كورونا وما تبعها من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية تحاول تجنب توقف إمدادات الوقود والبضائع عبر منطقة باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر.

وهذه العوامل المرتبطة بطول أمد الحرب وعدم قدرة المجتمعين الإقليمي والدولي على إيقافها منذ سنوات، ووصلوه إلى مرحلة الملل من الأزمة اليمنية -إن جاز القول- قد تُسرّع فعليًا بضرورة إيقاف الحرب، وإنجاح جهود السلام وحتمية إيصالها إلى نهاية ترضي الجميع، بما يترتب عليه فرض تسوية تُرضي الكل.

> فشل الحسم عسكريًا

من عوامل التشريع بإنجاز التسوية السياسية المرتقبة، كما يرجح البعض، عدم قدرة أي طرف عسكري من أطراف الصراع على حسم الحرب عبر الأساليب العسكرية، رغم تفاوت موازين القوى القتالية والعتاد والعدة.

ففشل الحسم عسكريًا من المؤكد أنه سيدفع الأطراف نحو القبول بأي اتفاقات ما دامت تحافظ على مصالحها وماء وجهها، وتمنح كل طرف سيطرة على مناطق تواجده الحالية، ويرضي بها-ولو مؤقتًا- إلى حين قدرة.

ورغم بشائر الحسم التي روّج لها التحالف العربي منذ الوهلة الأولى لتدخله العسكري في اليمن، بالإضافة إلى الدعم العسكري الكبير الذي يحظى به الحوثيون من إيران، إلا أن طرفًا لم يقدر على صناعة الحسم في اليمن بعد مرور قرابة 9 سنوات، ولن يستطع حتى مستقبلًا.

ويبدو أن الأطراف المتداخلة في الحرب، محليًا وإقليميًا، قد وصلت بالفعل إلى حالة من الاستنزاف الكبير لقواها العسكرية والأمنية والبشرية، ولم تصل من خلالها إلى أية نتيجة، سوى مزيد من الضغط الدولي والسخط الشعبي محليًا.

فالتململ الواضح شعبيًا والغضب المتصاعد، سواءً في مناطق مليشيات الحوثي، أو في المحافظات المحررة يُضاف أيضًا إلى كل الضغوط السابقة على أطراف الصراع في اليمن لإنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية، عقب وصول الأوضاع الخدمية والمعيشية إلى مرحلة مأساوية.

وجميعها عوامل تزيد من احتمالات نجاح جهود السلام، وتُقرب من تحقيق تسوية سياسية، مدفوعة بمخاوف أطراف الصراع من انتفاضات شعبية ساخطة على تردي الأوضاع داخليًا؛ إما بسبب تضييق وخنق الحوثيين لمواطني مناطق سيطرته منذ انقلابه، أو نتيجة لقرارات الحكومة الشرعية مؤخرًا بحق معيشة الناس.

> الحوثيون وإفشال السلام

درجت مليشيات الحوثي على نقض الاتفاقيات، بل وإجهاضها في مهدها قبل أن تولد، وهو ما يجعل من إفشال أية محاولات أو جهود نحو السلام في اليمن، تأكيدًا على نهجها الرافض للسلام والمتشبث بخيار الحرب، لإيمانها بأنها لن تستطيع أن تحكم قبضتها على مناطق سيطرتها إلا في ظل الأزمات.

لهذا قد يكون تعنت مليشيات الحوثي تجاه أية اتفاقيات أو تسويات، عاملًا من عوامل إفشال جهود السلام التي تُجرى حاليًا على قدمٍ وساق، برعاية أمنية ودولية، وذلك ليس بحسب رغبة الحوثيين أنفسهم، ولكن رغبةً من راعي المليشيات المتمثل في النظام الإيراني الذي يسعى إلى إبقاء المليشيات الحوثية خنجرًا في خاصرة المنطقة العربية، بهدف ابتزاز الدول الكبرى والعالم أجمع، كلما لاقى تهديدًا ما أو تلقى عقوباتٍ اقتصادية وسياسية وعسكرية.

بالإضافة إلى أن النهج الطائفي ونزعة "السادية" التي توجه التعامل الحوثي مع غيره من المكونات السياسية اليمنية لن تسمح له بالقبول بالشراكة مع القوى الأخرى؛ نظرًا للنهج غير المتعايش والرافضة للقبول بالآخر الذي يحكم علاقة الجماعة المتطرفة بغيرها من المكونات.

فالرفض الحوثي للشراكة السياسية يعود لتاريخ قريب، منذ اجتياحه صنعاء وانقلابه على السلطة الشرعية، كما أن له جذورا فكرية وطائفية تتجسد في فكرة "الانتقاء والاصطفاء الإلهي"، والأفضلية على غيره من الناس والجماعات سياسية كانت أو اجتماعية.

وهذه معضلة أزلية وتاريخية وطائفية، تمنع الحوثي من الاندماج في المجتمع اليمني أو القبول به إلا في بيئات متطرفة وطائفية منسجمة مع فكره، بينما التعدد السياسي والحزبي والقبول الشعبي قد يحول دون استقرار أية تسوية سياسية مرتقبة، وسيعمل كعامل من عوامل فشلها.

> عوامل أخرى معيقة

قد تكون عوامل نجاح أي سلام أو تسوية سياسية قادمة تتساوى مع عوامل فشلها، أو على الأقل استمرارها، ولكن ثمة عوامل أخرى معيقة لعملية السلام أو تشكل تحديا أمام تحققها، إذا لم يتم دراستها ومراعاتها.

من تلك العوامل مسألة شكل نظام الدولة القادمة بعد إقرار التسوية السياسية، والتي قد تحدد بناء عليها مصير قيادات عليا، وتخرجها من المشهد خاصة في جانب الصفة السلالية في جماعة الحوثي الطائفية.

فمن غير المتوقع أن تتنازل الجماعة الطائفية عن مكانة قائدها السلالي بصفته تلك، بالإضافة إلى كل من ارتبط به من قيادات وزراء ومسئولين في سدة سلطة الحوثيين في مناطق سيطرتهم شمال اليمن، وهو ما قد يعيق التسليم بأي تسوية.

وفي حالة إقرار الحوثيين وموافقتهم على أي تفاهم سياسي، فمن المتوقع أن يتضمن ترتيبًا لوضع ومصير قياداتهم العليا بما لا يضر بمكاسبهم التي حققوها طيلة فترة سيطرتهم، وما لم يحدث ذلك، فإن ممانعة أي سلام ستكون واردة.

وتبعا لتلك المسألة، ترتبط بها قضية شكل الرئاسة اليمنية ومكان تواجدها في حالة إقرار أية تسوية، حيث ستكون قضية كهذه عاملًا من عوامل اللغط والجدل الكبير الذي قد يتسبب بعرقلة أية تفاهمات، وهو ما قد ينتهي بصيغة جديدة توافقية تجمع كافة المكونات في إطارها، ولو لفترة انتقالية، أو فشل التسوية إذا لم يتوافق الجميع حولها.

وجميع تلك المسائل ما هي إلا تفاصيل يكمن فيها الشيطان، بالإضافة إلى جزيئات أخرى عديدة ستحمل في ثناياها الكثير من بذور عدم الاستقرار لأية عملية سلام قد تحدث.

> مصير الانتقالي

مسألة أخرى لا تقل أهمية، تمثل عاملًا من عوامل تهديد التسوية السياسية المرتقبة، تتمثل في موقف المجلس الانتقالي من التسوية السياسية الحالية، وكيفية تعاطيه معها، في ظل تمسكه بخيار استعادة الدولة الجنوبية.

ولعل الانتقالي يسعى من وراء صمته الحالي تجاه مجريات وجهود التسوية السياسية المرتقبة إلى تأمين وضعه ووضع مطالبه من قبل، وخلال مشاورات الرياض 2، والتي تضمنت أثناء تشكيل مجلس القيادة الرئاسي اليمني إلى ضمان تقديم معالجة مرضية للقضية الجنوبية.

وهو ما نصت عليه ديباجة الإعلان عن المجلس الرئاسي اليمني، وهي أساسيات تضمنتها أدبيات التوافق بحسب أنصار الانتقالي، وما انفك المجلس الانتقالي يطالب بها كلما سنحت له الفرصة، وتجلت واضحة في رده الأخير على تصريحات الاتحاد الأوروبي.

ويبدو أن الانتقالي يمتلك شيئا من الطمأنينة حيال وضع التسوية السياسية وعملية السلام المرتقبة، بما يضمن مطالبه السياسية، وهو ما يبرر هدوءه الحالي وسعيه هو الآخر إلى إقرار تسوية سياسية سيكون داعمًا لها وعاملًا من عوامل إنجاحها إن هي واصلت في تأمين تطلعاته.

لكن ما قد يفرض على الانتقالي تغيير رؤيته الداعمة للسلام في اليمن، هو التفريط بتلك الضمانات التي تؤمن مطالب الانتقالي سياسيا، وهو ما قد يتسبب بتحول في رؤية واستراتيجية الانتقالي، تفرض عليه تهديد ورفض أي تفاهمات للسلام في اليمن.

لهذا تبقى عوامل نجاح أو فشل التسوية السياسية لإنهاء الحرب في اليمن قائمة بكل مبرراتها ومقوماتها المنطقية والواقعية.

عدن الغد - القسم السياسي