المتضررين والمستفيدين من إتفاق التسوية في اليمن!

بدأت ملامح الإتفاق المزمع إقراره بين قيادة التحالف والحوثيين، تظهر على أفقِ الأزمة اليمنية، والخروج بمقترحات بما يضمن تسوية إنسانية للنزاع تتضمن فتحا للمطارات والموانئى ..

وفي الآوانة الأخيرة، عُقدت سلسلةً من اللقاءات التي جمعت بين قيادة التحالف والحوثيين في العاصمة العُمانية مسقط، بغرض إجراء مشاورات السلام في الشأن اليمني، تحت مظلة ما تُسمى اليوم "بالهدنة الأممية".

وفي المشاورات التي تجرى على الصعيد السياسي والعسكري بين الأطراف، كان الإشتراط الإقتصادي الحوثي هو الإتفاق الغائب عن ذكرهُ والحاضر في سلبية تنفيذه على إيرادات العاصمة المؤقتة عدن، عبر شريطة الجماعة لإعادة فتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء. 

وطوال 8 سنوات مضت استحوذ ميناء عدن على 90 % من الواردات لعموم المحافظات اليمنية بالإضافة الى ان مطار المدينة كان الوجهة الأكبر مغادرة ووصولا الى اليمن وجاء ثالثهما ميناء الزيت ومصافي عدن واللذان استحوذا على مايفوق 90% من الايراد الخاص بالمشتقات النفطية .

ووفق الاتفاق الأخير الذي قد يدخل حيز التنفيذ فان ميناء عدن سيفقد 85 % من نشاطه المحلي في الاستيراد وسيعاني مطار عدن هو الأخر من فقدان مايقارب 80% من نشاط حركته الملاحية .

وعلى صعيد ميناء الزيت فان عودة الاستيراد للمشتقات النفطية الى ميناء الحديدة سيحول الميناء الى ميناء يغذي 4 محافظات فقط هي عدن ولحج وابين والضالع .

ويعتزم الحوثي إعادة الحركة الملاحية والجوية، كشريطة "أساس التفاوض" مع قيادة التحالف ممثلة بالمملكة السعودية، للوصول إلى إتفاق مشترك يتضمن وقف إطلاق النار وإحلال السلام في المنطقة بشكلٍ عام.

وعلى هامش هكذا إقرار لإتفاق، يرى إقتصاديون أن في عودة نشاط الحركة الملاحية والجوية للحوثي، يعزز من إقتصادية حكومة صنعاء عبر التحقيق الإيرادي الذي سيحظى به من ميناء الحديدة ومطار العاصمة اليمنية.

وحسب إقتصاديون، فقد يؤدي عودة هكذا نشاط ملاحي وجوي في المناطق الحوثية، إلى تهالك إقتصادية العاصمة المؤقتة عدن بشكلٍ رئيسِ، لاسيما وأن حالة من الشلل الإيرادي قد يُصيب ميناء ومطار عدن الدولي.

وأكدوا، على أن إيراد العاصمة عدن سيحقق خسائر فادحة إثر العمل على هذا الإتفاق المزمع تنفيذه خلال الأيام القادمة، وبإشراف أممي سيُذكر لاحقاً.

وأوضحوا، أن خسائر إقتصادية عدن قد تصل إلى  80% من حجم إيرادات ميناء ومطار العاصمة المؤقتة. إزاء تم العمل على هكذا إتفاق يقضي بعودة النشاط الملاحي والجوي في الحديدة وصنعاء.

وأشاروا، إلى أن الخسائر إلإقتصادية هذه، ستدهب لصالح الحوثي في صنعاء، بعد أن كانت في آيدي حكومية شرعية، جراء ذاك الشلل الذي قد يُصيب حركة نشاط ميناء ومطار عدن الدولي.

ودعا الإقتصاديون، إلى ترتيب الوضع الإقتصادي باليمن عامة،ً وإعادة النظر في هكذا إتفاق ليس في مضمون تنفيذه إلا المزيد من الخسائر الإقتصادية التي ستُلحق بالعاصمة المؤقتة عدن.

ومن الاضرار المتوقعة هي تراجع الايراد المالي الضخم حاليا لميناء عدن الى مالايقل عن 15 % الامر الذي يعني ازمة قد تطال صرف المرتبات للوحدات المدنية التي تعتمد اعتمادا رئيسيا على صرف المرتبات من ايراد الميناء .

ما موقف المجلس الانتقالي من الاتفاقات بين التحالف والحوثيين؟

لعل المشهد اليمني اليوم يبوح بالكثير من الأهداف التي كانت خافية جراء الحرب المستمرة منذ 8 سنوات، وتكشفت خيوطها الآن، وتحديدًا عقب قرب الاتفاق بين التحالف وبين الحوثيين التي أصبحت وشيكة من الحصول على مطالبها.

هذه المطالب تتمثل في الحصول على حصص النفط المستخرج من ثروات المحافظات الجنوبية، وصرف مرتبات الموظفين القابعين في مناطق سيطرة الحوثيين، وهي مرتبات من إيرادات النفط والغاز والثروات النابعة أصلاً من الجنوب.

ويبدو أن احتواء المجلس الانتقالي في المجلس الرئاسي، وتحويله إلى جزء من معسكر الشرعية، الجبهة المقابلة للحوثيين في الصراع اليمني، كان مجرد تمهيد حقيقي لكل ما يجري اليوم من تفاهمات.

لا يتعلق الأمر فقط بالانتقالي، ولكنه يتعلق بكل القوى السياسية اليمنية المنخرطة في المجلس الرئاسي اليمني، الذي بات ينتظر الآن ما ستفضي إليه تفاهمات التحالف والحوثي ليعتمدها ويوافق عليها بشكل "شرعي ورسمي" لتمريرها قانونيًا.

غير أن ثمة ما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالانتقالي، من فوز الحوثيين بحصصٍ مقرة بناءً على تفاهمات من ثروات الجنوب، ثروات المناطق التي ينافح عنها الانتقالي ويفوض ذاته وصيًا عليها منذ سنوات.

لا يخفى على أحد حالة التوتر وعدم الاستقرار التي تحكم علاقة السعودية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وهي علاقة يشوبها الكثير من الشوائب، ربما قد يراها البعض ناتجة عن تعثر تنفيذ اتفاق الرياض 1.

غير أن هذه العلاقة لها جذورها التاريخية التي يتم اجترارها اليوم بشكل سيئ، في ظل وجود من يصب الزيت على النار، بالإضافة إلى أن الانتقالي يُتهم بأنه تحول إلى مجرد «أداة» بيد جهات خارجية أخرى، تدفعه لإحداث مشكلات في المناطق المحررة منعًا لتمرير مشاريع السعودية فيها.

وبعيدًا عن كون الانتقالي مجبرًا على التعامل عن القبول بأية اتفاقات، أو حتى الاستسلام لما يريده الآخرون، إلا أن هذا الكيان السياسي يمتلك مشاريعه الخاصة التي تفرض عليه مواقف متماهية مع هذه المشاريع.

وعليه، فإن أية اتفاقات أو تفاهمات تعيق المشاريع السياسية للانتقالي أو تتسبب في إجباره على تأجيل تحقيق أهدافه مرفوضًا بشكل قطعي، أو على الأقل هذا ما ينبغي أو يقوم به الانتقالي ككيان صاحب مشروع.

ذلك رد فعل متوقع تجاه ما تم تسريبه مؤخرًا من اتفاقات بين الحوثيين والتحالف، من منح المليشيات ما نسبته 80 % من ثروات المحافظات الجنوبية، بما يساهم في صرف مرتبات موظفي الدولة في مناطق سيطرة الحوثيين.

خاصةً وأن المجلس الانتقالي دائمًا ما كان متبنيًا لخطاب رفض الاستيلاء على ثروات الجنوب، سواءً في حضرموت أو شبوة من قبل القوات العسكرية التابعة للحكومة الشرعية أو السلطات الموالية لتنظيم الإخوان، حد وصف خطاب الانتقالي الرسمي.

ويرى مراقبون أن التفاهمات القائمة بين التحالف والحوثيين، والتي تتضمن في أبرز بنودها صرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة الحوثي، تقوم على أساس أن مصدر صرف تلك المرتبات هي ثروات النفط والغاز النابعة من أرض الجنوب.

وهذا ما يقود للتساؤل حول طبيعة موقف الانتقالي المتوقع تجاه هذه التفاهمات، وهو الرفض الواضح، كون عائدات ثروات الجنوب ستذهب إلى أيدي الحوثيين وصرف مرتبات الموظفين الخاضعين لسيطرة المليشيات، بينما مرتبات الموظفين في المناطق الجنوبية وجنود الانتقالي بالذات متوقفة منذ أشهر طويلة.

وهي بالفعل مفارقة مؤلمة جدًا، في حالة صرف مرتبات الموظفين في مناطق المليشيات الانقلابية، فيما جنود الانتقالي من يقاومون الحوثيين يعانون من توقف مرتباتهم، وهذا ما قد يفرض على الانتقالي رفض مثل هذه التفاهمات.

> تبعات رفض الانتقالي

لكن هذا الرفض المتوقع من الانتقالي الجنوبي إذا ما تم؛ فإنه سيقود إلى تبعات وتداعيات كثيرة، وهي نتائج سياسية تترتب عليها تبعات عسكرية خطيرة.

فالمشروع السياسي للانتقالي لا يمكن له أن ينجح في ظل استحواذ أطراف شمالية على مقدرات الجنوب، وهو ما عبر عنه الانتقالي في رفضه لبقاء قوات المنطقة العسكرية الأولى في مناطق وادي حضرموت الغنية بالثروات الطبيعية، متهمًا تلك القوات الحكومية بأنها "شمالية" موالية لـ "الإخوان".

كما أن الانتقالي قاوم من قبل ذلك بقاء السلطة المحلية في محافظة شبوة على سدة الحكم بالمحافظة، لانتمائها لتنظيم الإخوان أيضًا، وبسبب عبثها بثروات شبوة، ولا يمكن أن يختلف موقف الانتقالي إذا ذهبت تلك الثروات التي ذاد عنها كثيرًا إلى الحوثيين.

غير أن موافقة الانتقالي للاتفاق الذي يبدو أن التحالف العربي قد سلّم به مع الحوثيين، بوساطة عمانية قد يقود إلى "موقف محرج" للانتقالي أمام أنصاره أولًا، وسيظهر بأنه متخليًا عن مشروعه السياسي ثانيًا.

لذا قد لا يكون أمام الانتقالي من خيار سوى رفض هذه التفاهمات لحفظ ماء وجهه أمام أنصاره، إذا كان مؤمنًا بالفعل بمشروع الجنوب، لكن أيضًا خيار رفض هذه التفاهمات سيقود الانتقالي إلى "إحراجات" أخرى، مع قوى مختلفة.

لكن هذه المرة ستكون "الإحراجات" على مستوى دولي، وتتداخل فيها قوى إقليمية ودولية وأممية، جميعها راعية الاتفاقات بين التحالف العربي والحوثيين، في ظل ضغوط عالمية لوضع حد للصراع في اليمن.

فالانتقالي إذا رفض تفاهمات التحالف مع صنعاء قد يضطر المجتمع الدولي لوضعه على قائمة المعرقلين لأية تفاهمات تنهي الصراع في اليمن، كما أن من شأن أي رفض انتقالي لاتفاقيات التحالف مع الحوثيين ستزيد من "شرخ العلاقات بين الرياض والانتقالي".

> تسوية ترضي الجميع

إشكالية الخيارات أمام الانتقالي في ظل القبول أو الرفض بالاتفاقيات مع الحوثي، باعتباره جزءا من الكيان المناهض والمقابل للحوثيين برعاية التحالف العربي تجعله أمام خيارات "أحلاها مر".

غير أن مراقبين يرجحون أن التحالف لا يمكن أن يُقدم على أية تفاهمات ما لم يكن منسقًا مع كافة الأطراف والكيانات المنضوية في إطار المجلس الرئاسي الممثل للشرعية، بما فيه المجلس الانتقالي، وفق تسوية تُرضي الجميع.

حيث يرى المراقبون أن الانتقالي بات جزءًا لا يتجزأ من المنظومة التي يقودها التحالف بقطبيه، نحو وضع نهاية للحرب في اليمن والصراع المستمر منذ ثماني سنوات، خاصةً في ظل مستجدات دولية وإقليمية متغيرة.

لكن القبول بأي شيء من قبيل هذه الاتفاقيات يؤكد أن ثمة "تسوية سياسية قد أبرمت باتت ترضي الجميع بدون استثناء"، بما فيها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي سيحظى ببعض الامتيازات لتمرير أية تفاهمات إقليمية ودولية.

ومن تلك التسوية المتوقعة أن يتم تغيير شكل الدولة بمشاركة الحوثيين في الحكم، يتم بناءً عليه تقسيم البلاد إلى كنتونات سياسية تتقاسم السلطة، كما تتقاسم الثروة أيضًا، وهو ما يتم ترجيحه من قبل المراقبين والمعنيين.

ومن المؤكد أن يحظى الانتقالي بمناطق سيطرته الحالية، والحوثي بمناطق سيطرتهم الحالية أيضًا، في ظل توزيع الثروات النابعة من كل منطقة على الجميع، في نظام سياسي قد يبدو اتحاديًا أو فيدراليًا، ولكنه في نفس الوقت عبارة عن جزر منعزلة عن بعضها.