هل يمضي اليمن إلى سلام حقيقي؟

لايزال البلد الجريح رهن التجاذبات الإقليمية والدولية منذ 8 سنوات مضت، ولا ندري كم عاما يلي هذه السنوات العجاف؟!.

تحركات دولية وإقليمية بشأن الأزمة اليمنية في مسقط، يقال إنها من أجل السلام الشامل، إذ توضح تلك المشاورات أنه لا حل لإيقاف نزيف الحرب التي أكلت الأخضر واليابس سوى بـ"خيار"  السلام.

فمنذ انقلاب مليشيا الحوثي على الدولة والتوافق الوطني، والبلاد تغرق في مستنقع الدم، والتشريد والنزوح، والانتهاكات الإنسانية.

لقد امتدت يد هذه الحرب إلى كل شيء تقريبا، البشر والحجر، ومقدرات البلد وموارده البشرية والاقتصادية والمالية، وأصبح البلد برمته في مهب الريح، تتقاذفه الأطماع الإقليمية والدولية، وتضعه في أتون صراع صفري لا ينتهي.

> هل تمضي البلد إلى سلام حقيقي؟

لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال، دون معرفة مواقف كل الأطراف الفاعلة في المشهد، وكذا الوقوف أمام هذا الصراع الكبير المحكوم بالمصالح السياسية والاقتصادية والجيوسياسية.

ينطلق المكون السياسي الأبرز الذي يتمثل بمجلس القيادة الرئاسي والحكومة المعترف بها دوليا، من مرجعيات وطنية وإقليمية وقرارات  دولية.

ومن تجارب الحوارات  السابقة مع المليشيا الحوثية، لا يبدو ثمة أمل في الوصول إلى حل سلمي، إذ إن "الجماعة" لا تتمتع بقرار مستقل، والمعروف للجميع أنها مجرد ذراع إيرانية في المنطقة، هدفها بوضوح، بعد استكمال الهلال الشيعي الممتد من لبنان وسوريا والعراق، الاتجاه إلى اليمن الذي يقع جنوبا من المملكة السعودية وفي خاصرتها الجنوبية.

في أكثر من مؤتمر ومحفل دولي يذكر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بخطر المليشيا الحوثية، وارتباطها بالمشروع التخريبي العابر للحدود، وطالب المجتمع الدولي بتصنيفها كمنظمة إرهابية، منبها العالم إلى خطورة الإذعان لابتزازها وتجاهل انتهاكاتها المفرطة تجاه الحقوق الفكرية والطبيعية والإنسانية.

وثمة إيمان عميق بأن تحقيق السلام مع هذه الجماعة بالوسائل السياسية لن يمر بسلام، وإنه كمن يلاحق طواحين الهواء!.

أما من طرف مليشيا الحوثي، فكل ما تقوم به من خلال دخولها في الحوارات والمفاوضات والمشاورات السياسية هو البحث عن شرعنة لسلطتها في العاصمة صنعاء، والتشبث بجغرافيا الشمال أو ما يعرف بحدود الجمهورية العربية اليمنية سابقا كإرث تاريخي وسياسي للمملكة المتوكلية الهاشمية.

والمتتبع لتصريحات ناطق الجماعة الحوثية ورئيس وفدها التفاوضي، فإنه يدرك أن ما تركز عليه "الجماعة" هو "الترتيبات الإنسانية" الذي يمنحها المزيد من رفع القيود على المطارات والموانئ والمنافذ، ويمنحها السلطة وسيادة القرار عليها، للحصول على المزيد من الإيرادات والجبايات، التي تمكنها من تغذية استمرار انقلابها وحربها على اليمنيين الممتدة لـ8 سنوات مضت.

وغير بعيد من هذا السياق يذهب نائب رئيس وفد الحوثيين المفاوض جلال الرويشان إلى إعلان موقف ثابت سقفه يصل إلى إنهاء الحرب، لكن بشروط "الجماعة"، إذ تشترط أن التفاوض يجب أن يفضي لإنهاء الحرب بين صنعاء ودول التحالف، ويقصد هنا بدول التحالف جارتها الشمالية، المملكة العربية السعودية.

ولا يأتي  ذكر "الرواتب" على لسان الجماعة إلا كنوع من المزايدة واستعادة السيادة، مثله مثل التعلل "بالترتيبات الإنسانية"، مطار صنعاء وميناء الحديدة على سبيل المثال.

> وزير الخارجية السعودي: عقبات كبيرة بانتظارنا!

في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي الذي انعقد في 18 يناير 2023 صرح  وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن الصراع في اليمن لن يحل إلا من خلال تسوية سياسية، وإن هذا يجب أن يكون محور تركيزنا.

وأضاف بن فرحان: إن بالإمكان القول إن هناك تقدما يحرز لكن لايزال هناك عمل يتعين القيام به.

ومضى بن فرحان قائلا: إن المطلوب الآن هو إيجاد طريقة لإعادة العمل بالهدنة وتحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار.

وأشار إلى أن "إمكانية حدوث ذلك بالأمر غير الواضح الآن"، وأن "هناك عقبات كبيرة على الطريق".

وإذا ما انتقلنا إلى الدور الإيراني، فإن السلام لن يمنح إيران السعادة الغامرة، لأن لديها ملفات دولية لم تحسمها بعد، أبرزها الملف النووي، بانتظار نتائج  الصراع الدولي المتفجر بين روسيا وأوكرانيا المدعومة غربيا، وسعيها للحصول على مكاسب أكبر.

وبتتبع المواقف الإيرانية، فإن الهم الأول للإيرانيبن هو وقف الحرب، ورفع الحصار الاقتصادي تحت ذرائع إنسانية، والاعتراف بالحوثيبن كسلطة أمر واقع، باعتبارها الممثل الشرعي لليمنيين وكطرف أول في أي تفاوض أو تسوية سياسية تقرر مصير البلاد برمتها.

وهذا الموقف المتصلب من قبل إيران وذراعها الحوثي، يجعل من تحقيق السلام الشامل مجرد وهم وسراب، وغير قابل للتحقق على أرض الواقع.

> المجتمع الدولي: إنهاء الحرب في اليمن ليس سهلا

من تصريحات المبعوث الأممي هانس غروندبرغ أمام مجلس الأمن الدولي في آخر إحاطة له في شهر يناير الماضي، قال "إن الوضع ما يزال معقدا ومتقلبا، فبناء على المناقشات التي أجريتها مؤخرا مع الأطراف أود أن أشير إلى إن جهود الحوار المختلفة في الأشهر الماضية أتاحت تحديدا أوضح لمواقف الأطراف ووضع خيارات لحلول مقبولة للطرفين متعلقة بالقضايا العالقة".

وفي إحدى جلسات مؤتمر دافوس، قال غروندبرغ "إن انعدام الثقة ما يزال قائما، وإنهاء الحرب في اليمن ليس أمرا سهلا".

ومن هنا نستنتج من تصريحات المبعوث أنه ما من معالم واضحة لحل الأزمة اليمنية بالحوار ولا بالسلام حتى الآن.

وبالنسبة للموقف الأمريكي والأوروبي، فإن حرب اليمن تراجعت أهميتها على الأقل حاليا، كون معركتهم الأهم هي التي تجري حاليا بين روسيا وأوكرانيا، وهي المعركة التي ستقرر على ضوئها مستقبل أمريكا والقارة الأوربية.

وإن كان لليمن من أهمية، فهي صادراته النفطية والغازية، إضافة إلى أمن وحماية الملاحة الدولية على البحر الأحمر، ومحاربة القرصنة على سواحل البحر العربي، ومكافحة الإرهاب.

> سيناريوهات مستقبلية لإنهاء الصراع

استنادا إلى المواقف لمختلف القوى الفاعلة أكانت محلية أم إقليمية أم دولية، فإن هناك 3 سيناريوهات محتملة كالتالي:

السيناريو الأول: هزيمة أو انتصار أحد طرفي الحرب عسكريا، وهذا مستبعد على الأقل حاليا، ولا نية للأطراف الإقليمية والدولية في الحرب في تحقيقه، فكل الأطراف الفاعلة تدعو إلى الحل السياسي السلمي.

السيناريو الثاني: أن تنتهي الحرب بحوار ثنائي داخلي يمني، وهذا الخيار متعثر حتى الآن، وما تجارب اتفاق السلم والشراكة عقب انقلاب المليشيا الحوثية في سبتمبر 2014، وبعده من مشاورات الكويت وبيل في سويسرا، والعاصمة الأردنية عمان ومسقط عنكم ببعيد.

السيناريو الثالث: الحل سيكون بفرض الإرادة الدولية قرارها على الجميع، وإن خيار السلام لن يكون يمنيا، بل سيفرض فرضا من قبل أطراف إقليمية ودولية، وإن هذا السلام المفروض سيراعي أولا مصالح وحسابات تلك القوى باعتبار الإرادة الوطنية اليمنية قد تماهت وذابت مع تلك القوى، وإن مصالح الأطراف الإقليمية هي مصالح الأطراف المحلية ذاتها، إذ لا تقوى على الانفكاك عنها توجها وممارسة وحتى إرادة!.

وإن كان ثمة اختيار من السيناريوهات الثلاثة، فهو السيناريو الثالث، إذ يبدو منطقيا وواقعيا، بالنظر إلى القوى المحلية وأدائها السياسي والعسكري على الأرض.

عدن الغد - القسم السياسي