التأريخ القديم يعود من جديد في نقاشات اليمنيين..

منذ ظهور حركة الحوثي وسيطرتها على البلد، عادت النقاشات التاريخية - التي تثيرها الجماعة - إلى الواجهة، وعاد اليمنيون إلى مناقشة أحداث من قبيل حداثة السقيفة وحرب علي ومعاوية، وقضايا مثل القُرشية واليمانية، أو الهاشمية والقحطانية، وغيرها من القضايا والأحداث.

وإزاء هذا النقاش، الذي يغطِّي مواقع التواصل الاجتماعي، بين الناشطين اليمنيين، تنقسم الآراء إلى فريقين، فريق يرى أن هذا النقاش متخلِّف ولا طائل من ورائه، ناهيك عمَّا يجره من تبعات، وانقسامات في مجتمع يشهد حالة من التشظِّي، ويحتاج إلى النظر صوب المستقبل، وليس الإغراق في الماضي، فيما يرى فريق آخر أن هذا النقاش دليل يقظة.

فالقضايا هذه لا تزال تلقي بآثارها على حاضر اليمنيين ومستقبلهم، وتستخدم من قِبل حركة الحوثي، وغيرها من الجماعات، لتبرير خطابها وحركتها السياسية في المجال العام. ماذا يستفيد اليمنيون من استدعاء التاريخ؟

- للبناء لا للغرق

يقول الباحث والكاتب ثابت الأحمدي: "نحن انتقلنا إلى الماضي، على الأقل جزء من اليمنيين، لا للغرق فيه، ولكن للبناء عليه، من خلال الفكرة لا من خلال الذات نفسها التي انتقلوا إليها".

وأضاف: "حينما انتقل الأقيال -على وجه التحديد - عادوا ثلاثة آلاف سنة، بينما الحوثي عاد ألف وثلاثمائة سنة أو ألف وأربعمائة سنة إلى آخره"، موضحا أن "الأقيال عادوا يستنشدون الفكرة الضائعة كحالة إلهامية يبنون عليها ذاتهم السليبة التي ترنحت منذ فترة ما قبل الإسلام".

وتابع: "كنا حضارة ولم نكن دولة عابرة أو مجرد مجتمع قبائلي ما قبل الدولة، بل بالعكس كنا حضارة ملء سمع الدنيا وبصرها، إن لم تكن الحضارة الإنسانية التي تشكلت في شبه جنوب الجزيرة العربية".

ولفت إلى أنه "حينما نعود للماضي ونفتش في سراديب الماضي هو فقط لمعرفة ما يترتب على الماضي نفسه".

وحول اصطفاف كل فريق خلف شخصية من الشخصيات، يرى الأحمدي أن "هذا جزء من الضياع"، مؤكدا أنه ليس مع ذلك.

- نسيت اليمن

وأوضح أنه "منذ منتصف القرن العشرين، تشكلت لدينا -على وجه الخصوص في اليمن- جماعات: هذه عندها مشروع الإمامة، وهذه عندها مشروع الخلافة، وتلك عندها مشروع أممية العالم، جميعها بلا استثناء نسيت اليمن".

واستطرد: "اليمن وهويته وتاريخه وحضارته، الدولة العصرية الحديثة، دولة المواطنة، الدولة الضامنة، هذه غابت عن ذهن كل الجماعات بلا استثناء"، مؤكدا "ولذا اليوم نحن واقعون في ما ترتب على هذا الإهمال وعلى تلك الغيبوبة، غيبوبة كل النخب للأسف الشديد".

وبيَّن أن "هناك شبابا واعين - إلى حد كبير- متجهون إلى المستقبل يمقتون على الحوثي غرقه في الماضي". 

- خطوات نحو المستقبل

ويرى أن "كل ما يجري اليوم من جانب الشباب -الأقيال على وجه التحديد- والتيار والمثقف بشكل عام هو خطوات نحن المستقبل وإن انطوت على شيء من الماضي".

وخلص إلى القول إن "هذه مسائل تاريخية جدلية ممتدة بخرافاتها بأساطيرها بصوبها بخطئها وستظل كذلك بالنسبة للمجتمعات التي بلا عمل"، موضحا أنه "إذا ما بنيت الدولة ووجد العمل وتمدن الناس سيتركون كل هذه الخرافات وسيتوجهون إلى المستقبل".

 - صحي وجميل ومهم

بدوره، يقول الصحفي نشوان العثماني: "من المهم أن يجري هذا النقاش على نطاق واسع؛ لأن تاريخنا - خلال كل هذه المراحل - لم يتعرض للنقد، وبالتالي التمحيص، وربما الخروج من هذه البودقات".

وأضاف: "ظللنا ندور في سجن كبير ممتد لا نعرف خلالها (الفترة) إلا أن ننقسم إلى نصفين أو ثلاثة، ونمسك بهذا الطرف أو ذاك دون أن نضع سؤالا أكبر ورئيسيا: لماذا كل هذا؟ وما الذي حدث لكي يجتر كل هذا التاريخ خلفه هذه السلاسل الطويلة؟ وكيف كان هذا التاريخ؟ وما المفترض الذي يجب أن نقوله وندرسه ونقرأه؟ وما الذي يجب أن نستخلصه اليوم؟ وأين نحن -أصلا- اليوم؟ وماذا نريد أن نكون في الغد؟".

وتابع: "النقاش صحي وجميل، ومهم أن يكون، لا يفترض أن نمنعه، بل يفترض أن ننخرط به جميعا، ولكن على نحو من إثراء هذا النقاش، نسمع لكل وجهات النظر، ولكل المداخلات، سواء كانت المعرفية العلمية المختصة، أو تلك التي تقدم استنتاجات جديدة أو أطروحات جديدة".

ويرى أن "هذا التاريخ له ما له وعليه ما عليه"، مشيرا إلى "أننا اليوم ننظر إليه لنستشف ما الذي حدث، وكيف حدث، وأين نحن اليوم؟ ونضع كل هذا خلف ظهورنا".

وقال: "نحن ظللنا -خلال ألف وأربعمائة سنة- محكومين بثلاث سلاسل عائلية: بنو أمية، وبنو العباس، وبنو عثمان.. وحتى وصلنا إلى مطلع القرن العشرين ونحن لا نعرف الدولة الوطنية، لا نعرف مفهومية المواطنة، لا نفهم الوطن"، موضحا أن "كل هذا كان في الدول القديمة والمفاهيم القديمة".

 - الالتفات إلى ما هو حاصل

وأضاف: "يجب علينا أن نلتفت إلى ما هو حاصل اليوم، وبالتالي لا نتخندق مع علي، ولا نتخندق مع معاوية، ويجب القول إن المرويات التاريخية وهؤلاء الرجالات جميعا ليسوا فوق النقد، ولا يمكن أن نعطيهم صفة القداسة، هم بشر في الأخير، أصابوا هنا وأخطأوا هناك".

وأكد العثماني أن "الصراع كان منشأه السلطة، وهناك اليوم من يتهم معاوية بالتوريث"، متسائلا "ماذا لو كان عليٌ قد تولى الإمامة ألم ليكن ليورث ابنه أيضا؟".

ويرى أن "ما يحصل في الجنوب - سواء نتفق أو نختلف معه- لا يمكن مقارنته بالكارثة المأساوية التي أعادت معها الإمامة"، في إشارة إلى مليشيا الحوثي.

وأوضح أنه "يمكن أن نتفق أو نختلف مع أي فكرة يمنية وطنية أخرى، لكن تظل قضية وطنية"، معتقدا بأن "فكرة الإمامة ليست فكرة وطنية بل مأساة تنخر اليمن، وعادت مرة أخرى لكي تكبله وتسجنه، وتقوده إلى تلك العصور الغابرة التي من المخجل اليوم أن نعيد مناقشتها والحديث معها".

وذهب بالقول إلى أن ما تقوله وتعتقده وتؤمن به جماعة الحوثي ومفاهيمها يفترض أن تذهب إلى زبالة التاريخ، ولا يمكن الحديث والتشاور بشأنها.

 - إيقاظ

ويعتقد أن ما حدث اليوم (تنامي فكر جماعة الحوثي) الحسنة الوحيدة له هي أنه يوقظ هذا الجمع يمنيا حتى يستيقظ ويزيله، ويضمن ألا يتكرر مرة أخرى.

ويرى أن هدف النقاشات ليس الانجرار إلى مربع مليشيا الحوثي، وإنما هدفها إيقاظ الجميع بأن هناك حضارة لها آلاف السنين.

وفي رده على سؤال هل نذهب نحو الاستفادة ونحو الانطلاق إلى ما هو أفضل، قال العثماني: "بنسف كل هذا الموروث الذي لا ينتمي للوعي الذي يفترض أن يكون إنسانيا مشتركا فاعلا نحو مفاهيم تمسنا وتخصنا، وهي العدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية والحرية، نعم".

وأضاف: "اليوم المحيط حولنا يتقدم بعض الشيء، ونحو نعود إلى غابر التاريخ"، معتبرا ذلك "مفارقة - في تقديره - أنها لن تستمر".