مع قرب حل الأزمة اليمنية.. لماذا تتصاعد مطالب انفصال الجنوب؟

 كانت محافظة عدن بجنوب اليمن مسرحاً بارزاً منذ اندلاع الحرب في البلاد، التي انطلقت قبل ثمان سنوات، وكانت المنطقة التي غيرت مسار الصراع بعد النجاح في صد هجوم الحوثيين ثم الانتقال إلى طردهم من مناطق جنوبية أخرى بعد تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في الحرب.

ومنذ تلك اللحظة شهد اليمن تحولات مختلفة، وأصبحت مدينة عدن خاصة نقطة لأبرز التحولات، كان أبرزها تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات، وبداية جديدة في سبيل تحقيق هدف فصل جنوب اليمن عن شماله.

ومع التحولات الجديدة بدخول حرب اليمن مساراً جديداً بعد الاتفاق السعودي الإيراني مؤخراً، كانت عدن على موعد مع تحركات جديدة للانفصاليين الذين يهدفون إلى استغلال قوتهم في سبيل تحقيق أهدافهم، فما الهدف من اجتماعات الجنوبيين الأخيرة في عدن، وهل يفشل غياب مكونات جنوبية أهداف الانتقالي في الانفصال؟ يتساءل مراقبون.

مؤتمر عدن!

بالتزامن مع التحركات الدولية الرامية إلى حل سلمي شامل لوقف الحرب والدخول في عملية سياسية مشتركة لجميع الأطراف اليمنية، كانت عدن على موعد مع فعاليات مؤتمر "الحوار الوطني الجنوبي" (4 – 6 مايو 2023)، لبحث الانفصال عن شمالي البلاد.

المؤتمر الذي أقامه الانتقالي الجنوبي أقيم في ظل مقاطعة من مكونات جنوبية، حيث اعتبر نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، أن "المؤتمر تدشين لعهد جديد من النضال وتعزيز وحدة الصف الجنوبي".

وبحسب الزبيدي، يهدف المؤتمر إلى الوصول إلى "توافق سياسي ورؤية موحدة داعمة لعودة الأوضاع إلى ما قبل تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، والمشاركة في صناعة ملامح دولة الجنوب، وإدارة المرحلة القادمة".

ولرفضها خيار الانفصال عن الشمال وتمسكها بالوحدة، قاطعت المؤتمر مكونات جنوبية بينها: الائتلاف الوطني الجنوبي، والمؤتمر الوطني لشعب الجنوب، والمؤتمر الشعبي الجنوبي، ومؤتمر حضرموت الجامع.

كما ترفض مكونات جنوبية، تطالب بالانفصال أيضاً، حضور المؤتمر بسبب تعارض أفكارها ومطالبها مع ما يقوم به المجلس الانتقالي، معتبرة أن ما يقوم به "يخدم أهدافاً خارجية"، في إشارة إلى الدعم الإماراتي للمجلس.

لا تراجع عن الانفصال

في المقابل، تخوض أيضاً قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي حراكاً مكثفاً، لكونها- وفق ما تقول- تتخوف "من تهميش قضية الجنوب ضمن المفاوضات الماراثونية التي ترعاها الأمم المتحدة بدعم إقليمي ودولي لإنهاء الأزمة اليمنية".

وهذا الاجتماع يأتي استكمالاً لرسائل سابقة بعثتها، فعقب وصول وفد سعودي عُماني إلى صنعاء للقاء الحوثيين في أبريل الماضي، خرج المجلس الانتقالي الجنوبي بتصريحات مثيرة تشير إلى رغبته في تقسيم اليمن.

وفي بيانٍ له (11 أبريل 2023)، قال الانتقالي الجنوبي إنه "لا يسعى للانفصال بل لاستعادة دولته كاملة السيادة"، معتبراً أن ذلك "هدف استراتيجي لن يتراجع عنه تحت أي ظرف".

ورأى "أن الإطار التفاوضي لقضية شعب الجنوب يجب أن يتناسب مع حجم الجنوب كطرف فاعل في العملية السياسية وحقة الكامل في الإقرار بكل المسائل المتعلقة بالجنوب والعملية التفاوضية بكل مراحلها، بما في ذلك مفاوضات بناء الثقة، ووقف الحرب في كافة الجبهات الممتدة على حدوده".

وأكدت الهيئة "رفض المجلس الانتقالي لأي إجراءات تهدف للمساس بالجنوب وموارده الاقتصادية السيادية، وتمسكه بحق الجنوب في الإقرار بكافة المسائل السياسية، والاقتصادية، والمالية، والعسكرية، والأمنية".

لا جديد يذكر

يرى المحلل السياسي اليمني محمد باحاج أن "لا جديد يذكر من هذا المؤتمر"، مرجعاً ذلك إلى أسباب كثيرة من بينها "المناطقية التي اختزلت الحضور في قيادات من مناطق محدودة، وتجاهل بقية القيادات الجنوبية ممن لها ثقل كبير من عدة محافظات كالعاصمة عدن وحضرموت".

ويشير، في حديثه، إلى أن المجلس الانتقالي سبق أن فشل في عقد مؤتمر حوار سابق بعد رفض غالبية المكونات التي دعاها لحضور المؤتمر، مرجعاً سبب عقد هذا المؤتمر وبحضور لا يمثل كافة الجنوبيين "إلى وجود قوى خارجية تريد أن يعقد المؤتمر ولو شكلياً".

ويضيف: "قد يكون هذا الحوار مشهداً من مشاهد السيناريو المعد من قبل تلك القوى حتى تكتمل فصول المسرحية التي نشاهدها منذ بدء الأزمة في اليمن وإخراج الأزمة بطريقة يريدها الفاعل الدولي والإقليمي".

ويبدي باحاج سخريته من المؤتمر قائلاً: "إنه من المضحك أن قيادات الصف الأول في المجلس الانتقالي الداعي لهذا الحوار، هم من يتولون مناصب قيادية وريادية في الحكومة اليمنية، في الصباح يعملون تحت علم اليمن الموحد، وفي المساء يطالبون بالانفصال".

وحول ما يريده الجنوبيون من حوار، يقول باحاج: إن "الجميع يريد ذلك وأن يكون حواراً حقيقياً وليس فيه إملاءات خارجية، وأن يغير المجلس الانتقالي من شكله المناطقي، ويعمل على هيكلته بمشاركة كل أبناء محافظات الجنوب بالنسبة والتناسب".

الجنوب .. معضلة مستمرة

إلى جانب المعضلة الرئيسية لليمن المتمثلة بالحوثيين، تشكل الحالة الجنوبية شقاً آخر على مستوى التفاصيل والتطورات التي تضفي بدورها مزيداً من التعقيد والتركيب على مسرح الصراع اليمني.

ولعل الأحداث في الجنوب وبروز تيارات ومكونات مختلفة، تولدت كرد فعل على فشل سياسات الإدماج التي انتهجها النظام السابق (نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح)، ليتسع مجالها لتصبح دائرة أخرى للصراع في اليمن.

ودخل جنوبي اليمن وشماله في وحدة طوعية في 22 مايو 1990، غير أن خلافات بين قيادات الائتلاف الحاكم وشكاوى قوى جنوبية من تهميش وإقصاء أدت إلى حرب أهلية استمرت نحو شهرين في 1994، انتهت بخسارة الطرف الجنوبي وإعلان استمرار وحدة البلاد.

وبعد ثورة 11 فبراير 2011 ورحيل صالح عن الحكم، وبدء حوار وطني برعاية خليجية، كان اليمن على بعد خطوات من إعلان مخرجات الحوار الذي نص على أن يتحول اليمن لدولة اتحادية يضم 6 أقاليم، بما ينهي مطالب الانفصال ويتيح لجميع اليمنيين المشاركة في الحكم.

غير أن انقلاب الحوثيين على الحكم عام 2014 قضى على تلك المخرجات وأدخل اليمن في حرب طويلة، وسمح لمكونات سياسية، كالانتقالي الجنوبي، أن يتشكل بدعم خارجي، ويستغل القضية الجنوبية في سبيل تحقيق أهدافه، وصولاً إلى ما آلت إليه الأوضاع في اليمن حالياً، ومشاركة المجلس في الحكم ضمن حكومة يمنية معترف بها دولياً، وسط استمرار مطالبته بالانفصال.

وتتفق جميع الأطراف الفاعلة في اليمن على أهمية الوصول إلى سلام دائم ينهي الحرب، لكنها تختلف حول الطريقة التي توصل إلى ذلك وطرق معالجة كافة القضايا، كالانتقالي الذي يرى أن السلام يبدأ باستعادة ما يسميها "دولة الجنوب العربي" جنوب اليمن.

تقرير : يوسف حمود - الخليج أونلاين