هروب الجماعات الدينية من فشلها إلى عقدها

 تبالغ “السُّلطة السياسية” وجماعتها الدينيَّة الموغِل ذهنها في الماضي بتعصبها لصالح المجتمع المغلق الصارم في عاداته وتقاليده وثقافته، بل وتستعرض اعتزازها بهذا الانغلاق، وتعمَد إلى فرضه وتكريسه، تحت عنوان الحفاظ على العادات والتقاليد الأصيلة للمجتمع، وباسم الأصالة والعيب يجري التحصين، والتأكيد على الماضي، وعلى كل ما هو بائد ومتخلّف ومُهترئ، ويكون ذلك على حساب المستقبل الّذي نروم.

تعيش “السلطة” وجماعتها الدينية حالة تناقض وانفصام تام، وعدم تصالح فجٍ مع ذاتها، حيث تتزمّت في أخلاقها، وتُمارسُ عُقَدها على المجتمع، وتتشدّد حيالَ التفاصيل الصغيرة، فتقمع المرأة الّتي لا ترتدي حجاباً، وتتعامل بصرامة حيال من ترتدي حزام الخصر، وتعتدي على إعلانات الكوافير الذي تعتبره انفلاتاً سحيقاً، وسقوطاً أخلاقياً مريعاً، وبالتالي تتحول السلطة في أحد وجوهها إلى شرطة آداب حازمة حيال القضايا التي يتبناها تزمتها، مثل موقفها من حقوق المرأة، وحريّاتها، والاختلاط، والموضة، وملابس الشباب، وحلاقة رؤوسهم، وتضيف إلى ذلك ما هو فضفاض، مثل “الحرب الناعمة” التي تُدرج فيها كلَّ ما يروق لها، أو تريد قمعَه وتحريمَه وتجريمَه تحتَ ذلك العنوان غير المُنضبط.

وبالمقابل تتخلَّى تلك “السلطة” وعلى نحوٍ صارخ، عن مسؤوليَّاتِها حيالَ مواطنيها فيما هو أهم، مثل التخلي عن مسؤولية دفع رواتب الموظفين، وعدم تأمين الصِّحةِ لمواطنيها، والَّتخلِّي عن التزاماتِها حيالَ مُعظمِ الخدمات والحقوق، ومنها التعليم فضلاً عن الرُّقي به، بعد أن تكون قد أفسدت معظمه.. وأكثر من هذا تحويل الوزارت الخدمية إلى مصادر إيراد وجبايات وتربّح لصالحها وصالح جماعتها التي تحكم، وتتسلط بالحكم على شعبها.

الاحتشام لدى سُلطةِ الجماعة الدينيَّةِ ليس صناعةَ وعي، ولكنَّها شكليات تكرِّسُها وتتعاطى معها بصرامة.. خيمةٌ سوداء، ثقيلةٌ وعمياء، وعُقد اجتماعية شتّى، وكبْتٌ وتضْييق، وإعادة إنتاج نفايات الفكر، والتصوُّرات البالية، وطباعة الكتب والمنشورات الصفراء، وغيرها من الأحمال والأثقال التي يجري إلقاؤها على كاهل المرأة ومحاصرتها بها.

وهكذا تجد “السُّلطة” وجماعتها تتحول إلى شُرطة آداب، تحمي “الأخلاق” وتفرض وصايتها على الناس باسم المقدس، بدلاً من خدمة شعبها، وتحسين مستواه الاقتصادي والاجتماعي، والثقافي، والعلمي.

*قاضي وبرلماني يمني