لم نعد نهتم لهذا التأريخ

 سنة كم بالضبط هجرية ؟ 
لم نعد نهتم لهذا التأريخ ، ضبطنا السنوات وفقا لميلاد السيد المسيح ، لا أعلن احتجاجي هنا إسلاميا أو على سبيل إدانة هذا بوصفه نكرانا أو خيانة هوية ، هو فقط تزمين عالمي متداول استجبنا له 
لكن : 
ألف وأربعمائة ومدري كم  
ألف وأربعمائة سنة تاريخ لم يتمكن المسلمون من البناء عليه بوصفه تاريخهم كأمة 
بقدر ما حاولوا اقتسامه بوصفه تاريخ جماعات . 
وحولوه من حامل إفصاح وجودي حضاري إلى سبب للصراع .
قبل الإسلام كنا مجاميع قبلية تتناحر على الماء والمرعى وجملة أسلاف عنيفة ، جعلنا الإسلام حضارة ودولة كانت هي الأقوى في العالم ، قرنين تقريبا وعدنا للأصل قبائل متناحرة وقد تحول الدين لحالة من التأويل الشخصي واقتسام الميراث بالتفسيرات الملائمة لبقاء الصراع وليس لبقائنا كأمة . 
كم أحببت ميلان كونديرا وهو حتى وقد أظهر نقده لتعسف وجشع وجبروت الكنيسة إلا أنه بقي يؤكد في أكثر من بحث ومناسبة أن الغرب يدين بوجوده كأمة وحضارة للمسيحية. 
هذا تاريخنا ولا يسعنا الإفلات منه ، جزء منا  , وكان علينا في أحسن الأحوال خوض عملية إصلاح ديني فاعلة وليس تأويل الدين واقتسام مزاياه وبواعث عنفه ، 
أو نبذه كلية على سبيل المدنية والليبرالية ، الليبرالية وهي تدفعك لإظهار احترام معتقدات الهند ووثنيات افريقيا القديمة وتنكر معتقدا هو على كل مافيه يمتلك نظرية أقرب عقلانية لتفسير الوجود ، وفقا لفكرة " العقل الأعظم " ومابين القوسين هي ذاتها نظرية الفيزيائيين . 
اقرأ خطبة حجة الوداع وتدرك التعريف والخلاصة .
كانت آيات اقتلوهم وقاتلوهم تنزل قبل المعركة ومحددة بشروطها ووقتها ، حتى فكر ابن تيمية وهو أيقونة التطرف والشاهد لدى الليبراليين على عنف الإسلام ، كانت فتاواه مرتبطة بالمغول المحتلين وقد قتلوا بعضا من أهله وشردوا الباقين وكان المغول يعلنون إسلامهم زيفا فقام بتكفيرهم وأفتى بقتل المغولي وهو ساجد كونه أسلم حيلة وكانوا بعد الصلاة يذبحون قرى بأسرها ويحرقون الناس أحياء  وافتى بقتل المخالف المغولي المحتل وفقا للحظة والظرف ،وكان المغول يعتنقون ديانة كل شعب يحتلون بلاده ، مسلمين في بلاد العرب ومسيحيين في أوروبا ، مسلمين في شمال الهند " باكستان حاليا " وهندوس في جنوبها ، وجميعهم يتبعون قائدا وامبراطورا لا دينيا واحدا .
فهم ابن تيمية الإسلام فهما ثوريا وليس حرفيا ، لكنه اثار معضلة جوهرية ولقد اختلف معه فقهاء عصره في كونه فتح باب تكفير من ينطق الشهادتين وفقا لنواياه ، بينما اعتمد هو على " الكفر البواح " الذي أظهره المغول . 
لم يفتي من مكانه في ركن الجامع بل كانت فتاواه إعلاما للمقاومة يتجول بها في القرى يحرض الناس ويحشدهم لقتال المغول ويشترك في المعركة بسيفه . 
متأخرا قامت الوهابية بتبني فكر بن تيمية وتوظيفه في صراع بيني ضد المسلمين المخالفين لثنائية الشيخ والملك ، وبشكل متعسف لا علاقة له بجوهر وقضية ووعي بن تيمية ،كل الذي احتفت به السعودية من مقولات الرجل بشأن وجوب طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه مهما اقترف ، هي كانت في سياق تمسك ابن تيمية وبحثه عن بقية دولة إسلامية أثناء تساقط الإمارات الإسلامية واحدة بعد أخرى أمام زحف المغول وأثناء حالة من الوهن وتفاقم التمردات وتلك العلاقة العدائية واليائسة بين الناس وحكام تلك الإمارات ، كان الحكام ضعفاء ومتهمين بالفسق ، يحتفظ لهم الوعي الشعبي بابشع صورة غير ان بن تيمية بحاجة لقيادات تلتف الناس حولها فأفتى بطاعة الحاكم وقتها ، ولو كان فاسقا .
كان يبشر بطاعة قائد وولي أمر يلتف الناس حوله ويقودهم لمواجهة المغول باعتبارهم الآخر الذي يدعي الإسلام ليسيطر ويقتل ولا يواجهه أحد فأحالنها المملكة على " الآخر " مذهبيا داخل المنظومة الإسلامية الواحدة . 
يجب أن تقرأ وتفهم الظرف الذي عاشه بن تيمية والتحدي الذي حاول مواجهته وستفهم فتاواه وأهدافها .
وجوهر فكر بن تيمية كان محاربة الأوضاع التي أضعفت الدولة والمجتمع المسلم أمام زحف المغول وعلى رأسها تكاثر الطوائف والملل والجدل فكانت دعوته للسنة والجماعة ، وهو لم يهدف لتجريم التباين مبدئيا ولا إدانة وتكفير علم الكلام بقدر ما هدف من الدعوة للسنة والجماعة وقتها من أجل حماية المجتمع والدولة المسلمة أمام ذلك الخطر وفي تلك الظروف وذلك الزمن . 
شأن مسيحيي القسطنطينية عندما اقتحم الفاتح أسوارها وهم يتجادلون حول ما إن كان الملائكة ذكورا أو إناثا.
كان بن تيمية رجل دولة بعقل فقيه وقلب محارب ، فكانت فتاوى وفقه الجهاد متلازمة وثنائية " طاعة ولي الأمر ولو أخطأ وقتل المحتل ولو كان ساجدا " المعركة وحدها كانت وجهته والفتاوى هي الإعلام . 
وبالمقابل يحاول الحوثيون توظيف تلك الوظيفة السعودية لفكرة " التكفيري بن تيمية " بشكل معكوس ، معتقدين من جانبهم ان فتاواه هي دستور الوهابية ، بينما يفترض بهم اتباع منهج ابن تيمية الظرفي أمام المخاطر وليس فتاواه ، منهجه في نبذ الانقسام والطائفية وكل ما من شأنه إضعاف المجتمع . 
تعاليم الإسلام هي اجمالا تعاليم كل الأديان ، تجريم الزنى والخمر وقطع الطريق وعقوق الوالدين وأذية الجار . 
على ان معضلة ذهنية رضخ لها البعض بسذاجة وربما بحسن نية وهو يربط الإسلام بالموت  وفي ذهنهم القاعدة وعملياتها مثلا ، دون ان يتنبه أي منهم لكون ايات القتال نزلت قبل وبعد المعارك بقليل ، وهي آيات تعاليم ظرف وحدث محدد ، ببنما وردت ايات التعاليم العامة التي تحدد الموقف المبدئي والنهائي من القتل وقدسية الحياة عموما وهي تتفوق على كل التعاليم الدينية والحقوقية ولا يضاهيها هذه الآية أي نص ديني او حقوقي ،
 : من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا . 
المرأة كانت في سياق عملية إصلاح وقتية قد لا تلائم زمننا تماما لكنها وفقا حتى لشائعة ليبرالية متداولة فهي ليست أقل من الرجل في الميراث فهي ترث أكثر من الرجل في عشرين موضعا وترث ولا يرث الرجل في ستة مواضع وترث نصف مايرث الرجل في أربعة فقط .
بسبب المعارك قتل كثير من المسلمين وخلفوا أرامل وأيتام فنزلت الآية الشرطية " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " يعني تزوجوا نساء الشهداء وربوا أيتامهم . 
لم يرد نص تعريفي للدين إلا مرة واحدة في القرآن وهو يتسائل : اتريد أن تعرف من الذي يكذب بالدين ؟ " أرأيت الذي يكذب بالدين " وبشكل قاطع " فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين " . 
ذلك تعريف الدين ، أما إذا أردت أن تعرف من هو محمد فكر فقط في اللحظة التي أتوا إليه بأسير وقف أمامه يرتعد خوفا فقال له : هون عليك يارجل ،إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة .
الإسلام دون كل الأديان هو من اشترط أربعة شهود يرون تفاصيل العملية بوضوح لتثبت الجريمة ، الأمر المتعذر عمليا .
دين ليس علينا الإذعان لتأويل جماعاته ولا قبول تمثيل إرادة الله حصرا فهي متواجدة في إرادة كل إنسان . 
ولربما تطلب الأمر عملية إصلاح ديني مشابهة لتجربة مارتن لوثر ، والنضال لفصل الدين عن الدولة ، وهذه هي التي تتطلب إدراكا اوليا للفارق بين تجربتين ، إذ تمكنت اوروبا من العلمانية وفقا لهذا الفارق ، ذلك ان تعاليم يسوع كانت اخلاقية حصرا وبقيت المسيحية مجاميع شاردة هنا وهناك ملاحقين ومضطهدين ، مجاميع متخفية حينا ومتسللة أحيانا للساحات وبلاط الاباطرة ، قرنين وهي كذلك إلى أن حدث انشقاق في البلاط الروماني وقاد الامبراطور قسطنطين حرب استرداد وكان برفقته راهب من اتباع المسيح الشاردين ، نصحه برسم الصليب على دروع جنوده ووعده انه بذلك سينتصر ففعل وانتصر حقا وبعدها اعلن ان المسيحية هي الدين الرسمي للامبراطورية وأمر بهيكلة ورسم وتحديد التعاليم والطقوس من المناولة الى الأدعية انتهاء بالشكل الرسمي الذي عليه المسيحية للآن بما في ذلك الوهية المسيح وانسانيته والتي حددت في اجتماع نيقيا وتم التصويت عليها واقرت الوهية المسيح بفارق صوتين ، بينما ولا يزال نبينا هاربا من مكه غير انه يعد سراقة بن مالك بسوار كسرى في حال توقف عن ملاحقته ، لتدرك كيف كان يفكر وماهي رؤيته ومشروعه ، كان متكاملا ورسالته ايمان وأخلاق وتأسيس دولة من اول يوم ، ولم يمض اكثر من عشرين عاما الا وسوار كسرى بيد سراقة . 
نحتاج مشروع إصلاح ديني مسؤول يقظ وفقا لمانحتاجه الآن كبشر وليس ما يتم قسرنا عليه بوصفه ماتحتاجه منا السماء فهي لا تحتاج منا اكثر من ان نكون بشرا صالحين وجديرين بالحياة مؤهلين حتى لمبدء الاستخلاف على الأرض وفقا للمروية الدينية على ثلاثية الايمان والعدل والعقل . 
أما البحث عن هوية مناقضة شكل من مجازفة وجودية لا تخلوا من السذاجة .
ألف وأربعمائة عام ، اقتطع منها قرنين كأمة ودولة والباقي مجرد  جماعات .
كان قيم الجامع الكبير بإب يغضب أحيانا ويصرخ بالمصليين : ساوو الصف عليكم غضب الله ،ألف واربعمية سنة واحنا نقل لكم ساوو الصف .