في الإرهاب والإرهابيين

لم يكن الإرهابيون الأوائل يخجلون من وصف أنفسهم بالإرهاب ، بل كانوا يؤكدون هذه التهمة ويفتخرون بها.

الثوار الفرنسيون هم أول من ادخل مصطلح الإرهاب الى القاموس السياسي بمعناه الحديث. ومارس "روبسبير" ورفاقة من "اليعاقبة" إرهاب الدولة المنظم ضد الخصوم والمناوئين، وكانوا يستخدمون كلمة الإرهاب بوضوح في كتبهم وخطبهم ويؤكدون على أهمية الإرهاب في تحقيق اهداف الثورة وبناء الدولة.
جاء بعدهم "الفوضويون" الذين اشعلوا أول موجة إرهاب عالمية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكانوا ايضا يصرون ويفتخرون بانهم إرهابيون، وكانوا يرفضون التخلي عن هذا الوصف حتى اثناء محاكماتهم.
انتقل الإرهاب بعد ذلك إلى اليسار بكافة أنواعه وتخلى اليسار عن لفظ الإرهاب لصالح مصطلح "العنف الثوري" ، لكن الإرهاب اليساري تبنى الكثير من آليات الإرهاب اليعقوبي والفوضوي ومارس اليساريون إرهاب الدولة في الدول التي حكموها وارهاب المعارضة في الدول التي لم يستطيعوا حكمها.
اختفى لفظ الإرهاب تدريجيا لصالح مصطلحات اخرى مثل العنف الثوري وحرب العصابات والمقاومة حتى جاءت ظاهرة الجهاد الافغاني وظاهرة عبد الله عزام.
أعاد عبد الله عزام استخدام مصطلح الإرهاب وقال بوضوح في أحد خطبه الشهيرة أن الإرهاب فريضة دينية وأن كل مسلم إرهابي.
تلقف الاخوان والسلفيون مبادرة عزام لنفض الغبار عن مصطلح الإرهاب واستمروا لسنوات يكررون في خطبهم أن إدانة مصطلح الإرهاب مجرد تأثر بالغزو الثقافي والهيمنة الغربية لأن الارهاب مصطلح اسلامي اصيل لا يجوز رفضه.
واستمر الدفاع عن مصطلح الإرهاب على هذا الحال حتى احداث سبتمبر 2001 وبداية الحرب العالمية على الإرهاب فاضطرت حركات الاسلام السياسي والجهادي للتخلي عن المصطلح بعد ان اصبح مكروها شعبيا ومُجرّما على المستوى العالمي.
بعدها انعكست الاستراتيجية وصار الإرهابيون وداعموهم والمبررون لهم يستميتون لرفع تهمة الإرهاب عن الحركات والأفعال الارهابية تارة باسم المقاومة أو الإحتجاج أو الظلم.
عاد الجدل مجددا حول مصطلح الارهاب بعد ظاهرة داعش والعلميات الانتحارية التي ضربت اوروبا، والجدل هذه المرة صار حول تسمية هذا الارهاب: فهل نسميه "إرهابا اسلاميا"، أم نسميه "إرهابا" فقط، أم نرفع عنه صفة الارهاب ونضعه في خانة رد الفعل.
واعتقد أن الصراحة والوضوح لا بد منها في مناقشة أخطر ظواهر العصر الحديث، وأن مجاملة الارهاب خطيئة سيدفع ثمنها الجميع.