الأداء الهزيل للشرعية

لا اعتقد أن اليمن وأبنائه اليوم قادرون على الصمود والجلد مدة طويلة أخرى في وجه آلة الموت التي تعصف به ، فهو وكل هذا الحمل الثقيل الذي على كاهله من الحروب والتشظي بالإضافة إلى الأعباء الاقتصادية الهائلة أصبح خائر القوى ومحموماً ويكاد يغيب عن الوعي تماما والمفترض ما دمنا نعلم أن اليمن يقاتل دفاعاً عن خياراته باسمه وباسم المنطقة العربية بأسرها أن يتم التعاطي مع حالة البؤس والمعاناة التي يعانيها أبناء اليمن في الداخل باهتمام كبير يعيد الأمل في إمكانية الحياة والاستمرار في المقاومة حتى يتم النصر أما استمرار هذه الحالة بين الحياة والموت لها أخطارها على امن المنطقة بأسرها.

لا يستطيع احد أن ينكر اليوم أن الثمن الذي يدفعه اليمنيون في هذه الحرب ثمن باهظ فهم يقدمون الدماء ، والحاضر بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولا أتحدث هنا عن المتحاربين وإنما اقصد اليمنيين قاطبة في عمومهم من البسطاء سواء من كانوا في الداخل ( وهم أكثر من يدفعون فاتورة الحرب من دمائهم وأبنائهم وأموالهم ) أو الخارج وبات الكثير اليوم وفي ظل هذه الظروف مستعد لان يقبل أي سلطة أو أي أمرا واقعا تتوقف به الحرب تماماً فهو بكل بساطة يريد أن يعيش وقد سئم من كل أسباب هذه الحرب ومن كل الأسباب والتجاذبات التي تؤججها، وكره كل مسببات هذا الدمار ولم يعد يفرق بين الشرعية أو الانقلاب فكل ما يريده اليوم هو الأمن والاستقرار وإيقاف الحرب .

إن كل ما اشر ت إليه سابقاً بكل وضوح يحتاج إلى إعادة تقييم للموقف من قبل الأشقاء العرب والدول العظمى فاليمن ليس ساحة حرب خالية من البشر ، اليمن بلد عربي هام وذو موقع امني و استراتيجي خطير ومهم لأمن المنطقة العربية عموماً والخليجية خصوصاً ويحتاج الي مساندة أكثر مما هو عليه الحال الآن اقتصادياً واجتماعياً وصحياً بالدرجة الأولي كي يستطيع الاستمرار في الحياة. وهذه المساندة ليست صدقة ولا منة من الأشقاء كما قد يظن البعض، كما إنها في المقابل ليست إتاوة أو تكسباً من اليمن واليمنيين وإنما ضرورة ملحة فرضتها حالة الحرب في اليمن المفروضة علينا جميعا من اجل هويتنا وأمننا وحياتنا فليس من المعقول ولا المنطقي أن يستمر هذا الوضع الكارثي الذي يعيشه اليمنيون في الداخل ثم ننتظر أن يتحقق نصراً أو تقدما في العمليات العسكرية كما يتصور بعض السياسيين اليمنيين ممن لا يدركون هموم الناس أو بالأحرى لم يعيشوا يوماً وسط عموم الناس ولم يحسوا بمعاناتهم ولا يستطيعوا فهم مشاعرهم مطلقا ,فالتضييق والحصار وحرمان المجتمع من وسائل العيش أو اللامبالاة في هذه القضايا يخلق حالة من الغضب الشعبي.

المؤلم في الحالة اليمنية هو هذه الثنائية المتناقضة و المروعة للأسف الشديد ( الشرعية والانقلابيين ) فهؤلاء على الرغم من اختلافهم الشديد في التوجهات إلا أنهم اتفقوا تماماً في سوء الأداء ولست هنا بصدد الحديث عن أسباب هذه الحرب ، ومن المسئول عن كل ما يجري لكن ما نستغربه ويصعب تفسيره هو حالة الجمود السياسي الذي طغت على أداء الشرعية الدستورية،  وحقيقة لا ندري ماذا قدموا لليمن ولأبنائه في المحصلة ، حتى إنهم و على الأقل لم يستطيعوا إيصال صوت الوطن للعالم ولا إيضاح معادلة الصراع المحتدم اليوم في اليمن لا على المستوى العربي ولا الدولي .

كثيراً ما يتبادر الي ذهني سؤالين أود طرحهما علي القيادة السياسية اليمنية ...
هل فكر الممثلين للشرعية الدستورية بمكاشفة صريحة مع الشعب اليمني حول ما يجري معهم من أحداث وتداعيات المشهد المأساوي في الوطن ومدى تفاعل المحيط مع هذه التداعيات ؟

هل بينوا للعالم والمحيط ما يعانيه الوطن من أزمة اقتصادية خانقة تضيف عبئا جديداً مميتاً على الناس بالإضافة الي عبأ الحرب وتداعياتها المتمثلة في الإرهاب والفوضى الذي لن ينجوا منها احد ؟

وكأني بالبسطاء اليمنيين يقولون لهؤلاء في الشرعية اليمنية : فجيعتنا السياسية بكم لا توازيها فجيعة أخرى سوى فجيعتنا بالوطن ولم نعد نتفق معكم إلا في كره الانقلاب ومفرزاته المؤلمة ، انتم تعانون من الهشاشة السياسية ونحن على يقين من ذلك فلم ننسى يوماً أنكم كنتم شركاء في السلطة السابقة ضمن نظام الرئيس السابق صالح .

فشلتم حتى في إقناع الآخرين من الأشقاء في المحيط خصوصاً والقوي العالمية عموما في إعادة تقييم الملف اليمني من الناحية الاقتصادية على وجهه الخصوص لكي يقوم الجميع بواجبه تجاه هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تخنق الشعب اليمني يوماً بعد يوم والتي سيكون لها آثار جسيمة على اليمن والمحيط ومن ثم على الإستقرار والأمن العالمي كتداعيات منطقية للفوضى والفقر والحرب .

ولا ندري هل فشلتم في ذلك أم أن الأزمة هي أزمة ثقة وان كانت الأخرى فهي اشد وطأة علينا من الأولى، وبدلا من أن تعلنها القيادة السياسية اليمنية بكل شجاعة ممثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي بكل وضوح للعالم وللمحيط فعلها سمو الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز آل سعود مطالبا بضم اليمن الي دول الخليج العربي بعضويه كاملة وبكامل استحقاقاتها لما يدركه هذا السياسي المخضرم من مخاطر تحيط بالعرب اليوم وتهدد الأمن القومي العربي لو ترك اليمن بهذه الحالة التي تجعله مطمعا للآخرين .

الإخوة في الشرعية نقول لكم كمواطنين بسطاء اتقوا الله في اليمن ، اليمن قضية عربية كبري ومصيرية تخص العرب عموما واليمنيين على وجهه الخصوص و انتم بأدائكم السياسي الهزيل تحولونها الي قضية اغاثية متسولة فاقدة الكرامة ومأساوية بنفس الوقت ومجرد بيدق صراع إقليمي .

انتم بهذا الأداء السياسي الهزيل  تحولون ثورة الشعب اليمني الأبية الي حرباً طاحنة تأكل الأخضر واليابس على الطريقة الليبية واليوم تستمرون على نفس النهج ونخشى أن تفرغوا قضيتنا من مضامينها الاساسية ، هناك ملفات شائكة تتعلق بمصير البلد وسيادته يجب أن تفتح يأتي في مقدمتها

استعادة مكانة دولة اليمن في العالم والمحيط بما يليق بموقعها الاستراتيجي والأمني في قلب الأمة العربية ، والملف الاقتصادي ورواتب الموظفين اليمنيين في جميع المحافظات دون استثناء و أيضا ملف محاربة مراكز النفوذ التي أفرزتها الحرب والتي تحاول أن ترث مراكز النفوذ السابقة بالإضافة الي ملف الحرب الباهظ التكلفة والملفات المرتبطة به وأهمها ملف الإرهاب والذي يحاول الانقلابيين استثماره لصالحهم في هذه الأيام .

بدون أن نري ونلمس فرقاً في أدائكم السياسي في هذه الملفات لا اعتقد أن المواطن العادي سوف يكترث لكم ولن يهمه سوى اللحضة التي يعيشها وكيف يمكن أن يكافح ويقاتل من اجل لقمة العيش وتعليم الأبناء نتمنى أن تدركوا ذلك جيداً وان لم تؤمنوا انتم بأنفسكم فلن يحترمكم الآخرين ولن يؤمنوا بقضاياكم العادلة

نتمنى أن تصل كلماتنا التي لا نملك غيرها الي آذانكم إن لم تصابوا بالصمم .