قمة الجسد العربي الميت

منذ قمة انشاص التي دعى اليها الملك فاروق عام 1946والتي جاءت على خلفية رفض تقرير لجنة التحقيق البريطانية حول قضية تزايد عدد المهاجرين اليهود الى ارض فلسطين وما شهدته من اضطرابات نتيجة ذلك ، بقيت القمم العربية رغم عدم دوريتها مجرد مهرجان احتفالي يتبادل فيه قادة الوطن العربي مراسيم الخناق بالعناق.

تراكم سنوات القمم لم يبعث الدفء في عروق هذه الجامعة العربية التي تطور كل شيء من حولها ولم تتطور رغم انتقالها من بلد الى بلد، وتبدل الوجوه والظروف الا ان هذه الجامعة اثبتت قدرة هائلة على الجمود كجمود خرسانة الإسمنت التي تم بنائها به والذي يعتريه الاهتراء بمرور الزمن كما هو الحال عليه الآن في هذه الجامعة.

كان وجود شخصيات عربية كجمال عبد الناصر يمنح هذه القمة جرعة معنوية تعبر القطريات الى امتداد الوطن العربي حين كان ينقل طموحات المواطن العربي الى طاولة أصحاب الفخامة في القمم العربية والتي ربما شكلت قمة الخرطوم عا 1967 بلاءاتها الثلاث الشهيرة اهم قمة عربية رسمت ملامح السياسة العربية في اضيق الحدود رغم ان اغلب القادة العرب لا يجرؤون على نطق اللاء امام القوى الدولية لكنهم في الوقت ذاته لا يستطيعون تحمل تبعات أي موقف معارض لهذه القمة حتى لا يتم تصويرهم بالخارجين عن الإجماع الشعبي العربي.

لم تصمد لاءات قمة الخرطوم كثيراً، حيث نخر المطبعون في جسد هذه الجامعة المريض ليسقطوا بذلك تلك اللاءات مع انهيار أحد اهم خطوط الدفاع العربي في القاهرة حين قرر السادات الانقلاب على سياسة عبد الناصر المناهضة للصهيونية وذهابه مباشرة الى معقل العدو الصهيوني محدثاً بذلك شرخا في جدار الصف العربي المتهالك اصلاً، لتأتي بعدها قمة بغداد عام 1978 معلنة تعليق عضوية مصر نتيجة توقيعها اتفاقية كامب ديفيد، بقيت جامعة الدول العربية تنفخ الروح في الجسد المريض بسلسلة قمم عربية تبدلت فيها القرارات والمواقف ليتحول معها الموقف العربي من مرحلة اللاءات الى مرحلة الاستجداءات تمثل ابرزها بطرح ما عرف في قمه بيروت 2002 بمبادرة السلام العربية مع الكيان الصهيوني التي قدمها العاهل السعودي آنذاك الملك عبدالله بن عبدالعزيز والتي لازالت هذه المبادرة مطروحة على الطاولة رغم ان الكيان الصهيوني لم يأخذ ما ورد فيها مأخذ الجد بل تناولها بالسخرية والإستهزاء والمزيد من سفك الدماء العربية في فلسطين ولبنان.

لم يبقى من جامعة الدول العربية ما يمكن ان يعول عليه وبات ينطبق عليها قول

الشاعر العربي احمد مطر:

(( الثور فر من حضيرة البقر، الثور فر ،

فثارت العجول في الحضيرة ،

وفي ختام المؤتمر ،

تقاسموا مربطه، وقسموا شعيره ،

وبعد عام وقعت حادثة مثيرة ،

.لم يرجع الثور ، ولكن ذهبت وراءه الحضيرة ))

تختزل هذه الأبيات حالة قادة الوطن العربي من قمة بغداد 1978 وحتى قمة بيروت 2002 التي شكلت انحدارا حاداً في مستوى الانبطاح العربي لصالح المشروع التطبيعي والاعتراف بمشروعية الكيان الصهيوني بالمنطقة ومحاولة دمجه بالمحيط الإقليمي.

لم تشهد مقررات أي قمة عربية تصاعداً في الخط البياني لها منذ آخر قمة للرئيس جمال عبد الناصر عام 1970 نتيجة تمكن الأنظمة الخليجية من الإحكام بمفاصل هذه الجامعة التي ادمنت المال المغمس ببترول الصحراء الذي يدفع فقط حين تريد تلك الدولة ايذاء دولة عربية أخرى.

لقد شكل وجود الرئيس السوري حافظ الأسد في القمة العربية حجر عثرة امام مشروع التطبيع مع الصهاينة وبقي هذا الموقف السوري بحضوره الفعال في الدفاع عن الحق العربي بقيادة الرئيس بشار الأسد الومضة المضيئة في ليل معتم عمل الجميع على محاولة اطفائه، وما التآمر على سورية بتجميد عضويتها منذ العام 2012 وحتى الآن إلا ضمن هذا السياق.

وتأتي هذه القمة العربية التي تعقد في الأردن كواحدة من اصدق القمم العربية بالنسبة لاختيار المكان فقط، فقد تقرر عقدها بمنطقة البحر الميت ولهم من هذه التسمية نصيب حيث يلبس الموت أجسادهم وافكارهم وباتت اجتماعاتهم اليوم اشبه بمهرجان الكهول والصبيان ليشربوا نخب التفريط في الحق العربي للكيان الصهيوني الذي يبعد عن مكان انعقاد القمة مئات الأمتار ليس إلا من تواجد قواته العسكرية وربما بشكل او بآخر تشكل تلك القوات الصهيونية مضلة حماية لأصحاب الجلالة والفخامة والسمو خلال انعقاد هذا القمة.

ستمتد أنظارهم الى ابعد من ارنبة انوفهم الى سورية والعراق واليمن ولكن لن يكون للصهاينة مساحة في بؤبؤ اعينهم، سيتفقون ويوقعون على وأد هذه القضية وسيخلقون ألف قضية وقضية بديلة يلهون بها جمهورهم الساذج وتتغنى به وسائل اعلامهم ولذلك اتجهوا الى وضع توصيات محل خلاف بإعلان إيران دولة داعمة للإرهاب في محاولة لخلق عدو وهمي يبررون به جريمة التفريط والتطبيع مع الكيان الصهيوني ذلك الهدف الذي يسعون من اجله.

  • كاتب سياسي يمني

Adel3631@hotmail.com