الحوثي يغامر لأنه لا يخسر شيء

 إذا ما نفذ الحوثي تهديده وقصف السفن المتوجهة إلى موانئ إسرائيل عندها يكون فعلًا دخل مرحلة مواجهة جدية معها، وغادر مسرحية قصف الصحاري والقفار والتي لم تسفر عن مقتل حتى ذبابة في إسرائيل بل ولم تكسر زجاج نافذة منذ انطلاق عملياته.

ولكن إذا ما حدث ذلك فلا يعني أن الحوثي بريء من دماء اليمنيين ونكبتهم التي تسبب بها إنقلابه، ولا يعني أن موقفه من القضية الفلسطينية مبدئي، فمن يقتل وينكل بشعبه ويبتزهم في قوت يومهم ويقطع مرتباتهم ويجبرهم على العمل سُخرة لا يحمل أي قيم إنسانية مهما وظف وامتطى قضايا أخرى عادلة.

موقف الحوثي تصدير لأزمة داخلية يعيشها منذ توقف الحرب، فلم يعد هناك مبرر لما يفعله باليمنيين، ويحتاج إلى أزمة جديدة يقحم اليمن واليمنيين فيها، وجائت الفرصة من غزة.

نعم إسرائيل تستحق أن تحاصر كما تحاصر غزة، لتجرب بعضًا من المعاناة التي خلقتها لأكثر من مليوني فلسطيني، لكن عندي بعض الملاحظات فيما يخص أعلان الحوثي الأخير:

بالتأكيد، لدى الحوثي القدرة العسكرية على تنفيذ تحذيره، وأعني قصف السفن التي ترفض الامتثال لتهديده، ويملك معلومات تفصيلية عن حركة وهوية السفن المارة من مضيق باب المندب تزوده بها المخابرات والحرس الثوري الإيراني، بما فيها السفن المدنية التجارية، لكن لدي شكوك حول إرادته في تنفيذ تلك الخطوة بشكل فعلي، ومع ذلك لا أستبعد أن ينفذها، فزعماء العصابات، والمافيا، يلجؤون في أحيان كثيرة للتعاطي بايجابية مع بعض القضايا التي تهم رجل الشارع العادي، ليخلقوا لهم أنصار ومريدين، وليصنعوا شرعية لوجودهم، وليضفوا بعض الأخلاق على مسيرتهم الإجرامية، وما أكثر أفعال الخير التي عملها بابلو إسكوبار تاجر المخدرات الكولومبي ذائع الصيت، وآل كابوني بارون تهريب وتجارة الخمور في أمريكا.

عبدالملك الحوثي مثله مثل أي زعيم عصابة، لن يغفر له أي شيء يفعله من أجل غزة ما فعله باليمنيين، حتى لو حرر الأقصى وفلسطين، سيبقى مجرمًا بالنسبة لغالبية الشعب اليمني، تسبب بأخطر نكبة تعرضوا لها، ما أدى لانهيار دولتهم وتمزق وطنهم وهروب الملايين منهم للخارج.

يغامر الحوثي لأنه لا يخسر شيء، اليمن واليمنيون هم من من دفع وسيدفع ثمن مغامراته، ومع ذلك قد تأتِ الرياح بما لا تشتهي السفن، وتكون تلك آخرها.