ما أعلن عنه غروندبرغ ما هو إلا ترسيخ للواقع على الأرض

 ما أعلن عنه المبعوث الدولي هانس غروندبرغ من اتفاق بين اليمنين ما هو إلا ترسيخ للواقع على الأرض، الحوثيون لهم دويلتهم في صنعاء والمناطق التي تحت سيطرتهم (جمهورية أرض الحوثيين على شاكلة جمهورية أرض الصومال)، وبقية الأطراف لهم دويلاتهم، ولن يتم شيء من صرف المرتبات ولا رفع الحصار عن تعز ولا فتح الطرقات ولا حتى بعد سنتين من الآن، وما ذِكر المرتبات وغيرها مما يهم العامة إلا للضحك على المواطنين وبيعهم أملًا كاذبًا ليكونوا في صف هذه الاتفاقات الوهمية التي لم يوقعها أحد بل ولم يلتقي المعنيين ويتفاوضوا عليها -لو كانت جدية ومثمرة- ولم تعلن عنها أطراف النزاع ولا يوجد لها برنامج زمني ولا آلية تنفيذية.

ما حدث مجرد مراسلات - أوراق ومشاريع ومسودات لا قيمة عملية لها ولن تغير شيء من الواقع على الأرض ولا من أحوال المواطنين السيئة - بين السفير السعودي محمد آل جابر والمبعوث الدولي ومحمد عبدالسلام "ناطق الحوثيين" -الشرعية طبعًا لا علم لهم ولم يتم إشراكهم حتى في هذه المهزلة - ليُظهر كل طرف  لليمنيين والعالم أن هناك إنجاز حدث في الملف اليمني.

والهدف الخفي والحقيقي من الإعلان هو ذكر إسم السعودية كوسيط لا كطرف في الحرب، وترسيخ تلك الصفة في أذهان اليمنيين والمجتمع الدولي، بهدف التنصل التدريجي من دفع تعويضات حرب هي من فجرها مع الإمارات ولم تثمر إلا دمارًا وخرابًا لمنازلهم وبنية دولتهم التحتية ومؤسساتها وقتلًا وجرحًا وتهجيرًا لملايين اليمنيين، وفي الأخير وبعد خراب مالطا ذهبت الرياض للحوار مع الحوثيين -في طهران وبكين وصنعاء- واكتشفت أنهم أشقاء وجزء من الشعب اليمني ولم يعودوا ذراعًا لإيران ولا إرهابيين ولا مجوس.

تهدف السعودية، مستخدمة الشرعية -رشاد العليمي ومجلسه ومعين عبدالملك وحكومته- وبالتواطئ مع الحوثيين وموافقتهم للتنصل التدريجي من المسؤولية الأخلاقية وما يتبعها من مسؤولية إنسانية واقتصادية وتعويضات هائلة تستحقها اليمن والمواطنين اليمنيين بسبب تدخلها الفاشل الذي لم يزد الحوثيين إلا قوة، وجعلهم اليوم رقم صعب في المنطقة والعالم، وباتوا يهددون الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وليتحول ما تقدمه المملكة من فتات الأموال إلى إحسان وعطايا لليمنيين وليست تعويضات مستحقة نتيجة تدخلها الكارثي والغير مدروس.

ويهدف الحوثيون من قبولهم بتلك الإعلانات الفارغة من أي فوائد للمواطن العادي -عدى ترسيخ حالة من اللاحرب واللاسلم- شرعنة وجودهم بالتدريج وكسب مزيد من الوقت لاستكمال مشروعهم الكبير، والبند الثاني فيه استكمال سيطرتهم على ما تبقى من الأرض اليمنية -مراهنين أن كل الأطراف (خصومهم) ستنهار بمجرد وقف الدعم الخليجي لهم وبسبب خلافاتهم وفسادهم وتعدد مشاريعهم وأهدافهم- وصولًا إلى المهرة على حدود سلطنة عمان، ثم الانطلاق ولو بعد عقد أو عقدين أو أكثر للسعودية عندما تأتِ الفرصة التاريخية (مستخدمين إستراتيجية وطول نفس حائك السجاد الإيراني)، وتحديدًا مكة والمدينة، التي يحلم عبدالملك الحوثي -باعتباره قرين القرآن وعَلَمْ الأمة وولي الله على الأرض- بدخولهما يومًا أو أحد أبنائه ولو على ناقة، ليحقق هدفهم الذي أعلنوه مرارًا في ملازم ومحاضرات الراحل حسين الحوثي، وفي الندوات والدورات التي يعقدونها حتى هذه اللحظة، والتي يرضعون أطفالهم عصير أفكارها التوسعية والشمولية، والتي لا يريد صانع السياسة السعودية رؤيتها ويتغابى عنها جبرًا بعد فشله الذريع، وهو تحرير مكة -من عملاء أمريكا وإسرائيل (آل سعود)- مهبط الوحي ومكان ولادة جده رسول الله.

من يعش منكم، ويطول عمره، سيتذكر السطور أعلاه جيدًا.