اليمن وليمة الحرب الكبرى

الحرب في اليمن ليست حربا بالمعنى التقليدي. ما يجري في اليمن يعد جريمة إرهابية مكتملة الأركان قائمة على الحقد والانتقام والقتل العشوائي وكذلك القتل من أجل القتل. فالسعودية مسكونة بهاجس الإبادة الجماعية كشرط وحيد للانتصار. والأطراف الداخلية مشحونة بالحقد والعنصرية والمناطقية وعقدة الكراهية. ولست بحاجة للقول إننا أمام جريمة مكتملة الأركان. ففي 2011 قالوا إنهم يريدون إسقاط رأس النظام.
وفي 2015 قالوا يريدون رأس الحوثي ولكن ثبت أن ما أرادوه فعلا هو تدمير اليمن وضرب كل مقوماته ومكوناته.

نحن أمام إبادة جماعية لليمنيين يشارك فيها الجميع بغل وحقد. من حق كل يمني أن يسأل نفسه، مالجدوى من هذه الحرب الدائرة على أرضه؟ ومن المستفيد من استمرارها على هذا النحو المدمر، مزقت النسيج الاجتماعي وفتحت جراحات عميقة يصعب أن تندمل بسهولة؟ الذين تحالفوا مع السعودية على حساب وطنهم واهلهم لم يقدموا نموذجا يحتذى به ولم يحصلوا على مشاريع تنموية وإعمار لبلدهم ولا حتى لمواطنيهم العاملين في المملكة والذين يتعرضون لفصول من المأساة والمعاناة والابتزاز والإذلال.

والذين وقفوا في الطرف المقاوم للسعودية لم يقدموا نموذجا يحتذى به بل شرعوا في تدمير ماتبقى من مؤسسات الدولة. الذين يصطفوا مع الشرعية يدافعون على مصالحهم وليس على مصلحة الشعب. والذين يصطفوا مع سلطة الانقلاب يدافعون عن مصالحهم وليس على مصلحة الشعب. لأن الشعب يريد دولة تنتصر لحقه وكرامته وليس جماعات تبتزه وتهينه. لم تكن صدفة أن تنفق العائلة المالكة في السعودية المليارات للسيطرة على اليمن من خلال شراء الحكومات والدول والمنظمات ووسائل الإعلام والعمل على إسكات وكسر من لا يبيع روحه. ولم يكن صدفة وصول الحوثيين إلى صنعاء ثم وصولهم إلى عدن.

لقد خرج هادي إلى عمران لاستقبال الحوثيين هناك والأخذ بيدهم لدخول صنعاء. لم يصدر من قبله أي أمر عسكري أو عملياتي لمواجهة الحوثيين. وصل هادي إلى عدن وقاعدة العند مازالت خارج سيطرة الحوثيين. ومع ذلك لم يتحرك الطيران لمواجهتهم. كان ذلك يسير وفق المخطط لإمطار اليمن بالصواريخ وإحراقها وإعادتها للعصر الحجري.

انقسم اليمنيون على أنفسهم لكنهم توحدوا على تدمير بلادهم. طرف ساعد على غسل يد السعودية من دماء أهله. وقسم آخر شارك في إحراق بلده بحجة مواجهة العدوان دون أن يحافظ على مؤسسات الدولة وحقوق الناس. الجميع يكره السعودية سواء الذين معها أو الذين ضدها. فهم ينطلقون من عداء تاريخي لهذه العائلة التي تمتهن من يتعامل معها. لكن الطرفين يتسابقان على قتل بعضهم البعض دفاعا عن مصالح ذاتية لاعلاقة لها بالمصلحة العامة. من يصدق أن اليمنيين أهل الحكمة والإيمان يذبحون بعضهم بعضا ويدمرون وطنهم. يريد كل طرف أن يشكره الشعب على إدارته الكارثية والدموية التي التي اجتاحت الوطن.

هؤلاء دمروا الوطن. وكلما نادى أحدنا بالسلام ودعا الأخوة الأعداء للكف عن قتل بعضهم البعض غضب عليهم من باعوا أرواحهم لهذا الطرف أو ذاك من مثقفين وكتاب وإعلاميين من الذين لايستطيعون مهما حاولوا، ومهما زوروا ومهما كذبوا ومهما نافقوا أن يجعلوا من القتلة نموذجا يحتذى. كل طرف يريدنا أن نسلم بأنه الأحق بحكم الشعب بقوة السلاح. هل هناك من يدعو إلى السلام ولم يعاديه أمراء الحرب وتجار السلاح في هذا الطرف أو ذاك؟ يريدون إسكات كل من يريد سلاما لشعب هو مصدر السلام عبر التاريخ.

يريدون إسكات صوت السلام ليبقى صوت الحرب. الشعب اليمني يعرف عدوه جيدا ولا يحتاج لدروس من الناطقين باسمه. الحرب في اليمن لن تنتهي إذا لم نقدم على مصالحة وطنية تحفظ لأبنائنا مستقبلا آمنا. سيقودونا حربا غدا على الإصلاح وبعده على السلفيين. وسيغيرون خارطة التحالف. متى سيصدع العقلاء في الإصلاح والمؤتمر والحوثيين والسلفيين والاشتراكيين لتحقيق مصالحة تقطع الطريق على بقية فصول المؤامرة؟ نحن نسير على طريق الحرب الأهلية في لبنان. يريدون تحويلنا إلى طوائف متناحرة تقتسم السلطة طائفيا. أفيقوا أيها القتلة. أفيقوا يادعاة السلام قبل أن يتشظى وطنكم.