هل تستحق اليمن التنمية أم التدمير؟

حينما يتعثر الوطن وتتحطم أعمدته نتيجة جنون الساسة القائمين عليه وإلقائه في محرقة الحروب والفساد تصبح الهوية باهتة تمحو ملامحها الفتن والكراهية وتغليب المناطقية والمذهبية فيصبح الوطن كله كالسراب، فيحاول الجميع التخلص من الانتماء إليه وعدم الشعور بالمسؤولية من حمل هويته.

ويعمد كل مكون فيه أن يبتكر هوية خاصة به بدلا عن هويته الأصلية. في هذه الحالة لن يشعر بتأنيب ضمير من يقف مع العدوان حينما يرى آلاف الأطنان من القنابل المحرمة دوليا تسقط على بلده. ولن يشعر بتأنيب الضمير من يزعم أنه ضد العدوان وهو يدمر مدنا ويحولها إلى أنقاض بحجة مواجهة العدوان. إن حالة الانحطاط التي يعيش على وقعها الشعب اليمني بلغت درجة مهينة لإنسانية الإنسان بعد أن أصبحت كرامة المواطن اليمني بلا عنوان في زمن كتب على اليمني الذل والهوان وهو المشرد التائه داخل الوطن وخارجه.

لقد بات اليمنيون يموتون جوعا والمضحك حقا تلك التقارير الصادرة من بعض الدول الغربية المحملة بمخاوف هذه الدول من تفاقم ظاهرة موت اليمنيين جوعا. لكن الأنانية المقيتة لصناع القرار في المجتمع الدولي الذي مازال يقف حتى هذه اللحظة موقف المتفرج، بل المحرض للحرب في اليمن وبيعه السلاح للدول المعتدية على اليمن وتحويل اليمن إلى ساحة حرب مفتوحة بهدف اختبار تقسيم اليمن إلى دويلات صغيرة بدون هوية. كل ذلك بسبب الغباء السياسي لدى السياسيين اليمنيين الذي بلغ من العمق درجة لن يستفيقوا منها إلا بعد أن يجدوا أنفسهم يندبون وطنا لم يحفظوه.

ولعل مالا يدركه أغلب المتباكين على الجائعين في اليمن التي طالما فتحت حدودها للفتناميين والصوماليين والإريتيريين والأثيوبيين والعراقيين والسوريين والمصريين والجزائريين والسودانيين ووفرت الطعام للأفغان والبوسنيين والشيشانيين وغيرهم ، أن المشهد المأساوي في اليمن حيث يموت الكبار والصغار والرجال والنساء سيتحول إلى لعنة متنقلة قد لايكون بالإمكان الحد من تداعياتها وتطويق مآسيها.

الحل بيد اليمنيين وليس بيد غيرهم. وليس من خيار أمامهم سوى التصالح وليكن الصفح عن بعضهم البعض هو الثمن الذي ينبغي دفعه لنيل السلام. إن الثأر لن يجدي نفعا. وعلينا جميعا أن نبذل قصارى جهدنا للإفلات من قبضة الانتقام والكراهية. الانتقام سيمزق الوطن. نلسون مانديلا رسم لنفسه هدفا يقضي، لا بتفكيك جنوب أفريقيا، وإنما بالعمل على إدماج السود فيها، وبعد نصره السياسي، قام بإدماج البيض فيها أيضا. لقد أدرك خطورة الوضع الذي يمكن أن يقود إليه العقاب أو الانتقام. فهل يدرك القادة السياسيون في اليمن خطورة الانتقام؟