كلنا كفار وبنحب بعضنا!

على هامش تكفير الشيخ الأزهري سالم عبد الجليل لأقباط مصر وتأييد عدد من زملائه له ظهرت ردود فعل لا يخلو بعضها من طرافه.

البعض على سبيل التبرير قال ان التكفير جزء "طبيعي" من الإيمان، فالمسلمون يؤمنون ان المسيحيين واليهود كفار ، والمسيحيون واليهود مؤمنون ان غيرهم كفار أيضا.

ومن باب الظرافة القاتلة أكدوا أن المحبة والود يظل قائما حتى ولو قلت انك كافر ودينك فاسد ومصيرك جهنم ودغوت عليك كل يوم أن يخسف الله بك الارض انت وملتك! وفي الأخير " كلنا بنكفربعض بس عايشين مع بعض وبنحب بعضنا!"
البعض انتقل من "تطبيع" التكفير الى اعتباره شرطا مسبقا للإيمان على القاعدة الفقهية الوهابية " من لم يكفر كافرا فقد كفر"!
بالنسبة لهؤلاء لا يمكن أن تكون مسلما حقا ما لم تقتنع ان غيرك كفار وعقيدتهم فاسدة وإلا فأن إسلامك ناقص!
التعامل مع التكفير كسلوك "طبيعي" مؤشر حساس لحالة التعصب واللاتسامح الديني التي غزت المجتمعات الإسلامية، لكن الأخطر هو تحويل التكفير الى "حكم شرعي" مثله مثل الصلاة والزكاة والحج، وبما أن التقوى تكمن في الاستزادة في تطبيق الاحكام الشرعية يصبح التوسع في التكفير دليلا على التقوى!
بل إن غلاة السلفية المعاصرة اعتبروا ان التكفير بداية الإيمان الصحيح، فلا تكون مؤمنا ان لم تبدأ بتكفير كل من ليس على "العقيدة الصحيحة"!
الاستسهال في قضية التكفير شبيه باللعب بصواعق القنابل.
فالتكفير لا ينحصر بين اتباع الديانات المختلفة فقط. حتى داخل الدين الإسلامي يعتقد الشيعة ان السنة كفار والعكس صحيح. وداخل المذهب السني نفسه يعتقد من يسمون انفسهم "اهل السنة والجماعة" ان كل الفرق الاخرى من شافعية ومالكية وصوفية وحنفية اما مبتدعون او كفار. وتطبيع التكفير سيحولنا إلى قبائل تكفيرية تتحارب حتى اخر قطرة دم.
وجاءت جماعات الاسلام السياسي لتستخدم التكفير كأسلوب للضغط السياسي وهزيمة الخصوم في الانتخابات، ثم تحول التكفير الى اداة سريعة وسهلة للصراع الفكري وتحطيم كل الاجتهادات المخالفة بكلمة واحدة فقط "كافر"!
و خطورة التكفير انه "تحريض مباشر أو غير مباشر على القتل" وقد شاهدنا كيف ان كل عملية اغتيال او تفجير او ارهاب كانت تسبقها حملة تكفير واسعة تمهد الطريق للقاتل .
ليس صحيحا ان كل المتدينين يعتبرون غيرهم كفارا، والحق يقال، لم اشاهد أبدا انتشارا للتكفير في الديانات الأخرى باستثناء بعض الفرق الصغيرة والمعزولة ، ويبدو انه صار ممارسة دينية متخلفة محصورة في المسلمين فقط.
صحيح ان كل مؤمن يعتقد ان ديانته هي الحق، لكن هذا لا يستدعي بالضرورة ان يؤمن ان كل الديانات الاخرى باطله. وقد تعامل الاسلام مع الديانات الاخرى في عصور تسامحه الفكري باعتبارهم" اهل كتاب" لا باعتبارهم كفارا، وتوسع في مفهوم اهل الكتاب حتى ضم الديانات "الوثنية" أيضا.
يظهر أمامنا فارقان بين "التدين الروحي" و "التدين السادي"
التدين الروحي يهتم باصلاح الذات وترقيتها وسموها ولا يهتم بسلوكيات الاخرين ما دامت لا تؤثر على حريته الدينية، أما التدين المرضي السادي فينسى نفسه وينسى اصلاح اخطاءه وخطاياه ، ويهتم بمراقبة الاخرين وتكفيرهم واخراجهم من الملة تمهيدا بعد ذلك لتخييرهم بين التوبة او السيف.
التكفير هي حالة فقد المناعة المكتسبة الدينية "الايدز الديني". تفقد الشعوب مناعتها الروحية وتحمل سيوفها وخناجرها لتكفير وقتل ليس فقط كل من يختلف معها في الدين، بل كل من يختلف معها في الرأي ايضا.