الكتابة هي الشيئ الوحيد الذي يشفيني .


اسميها " الشيئ" ذلك ان كلمة الشيئ هي وحدها من خطرت لي كتعريف للترياق .
انها تجعلني نغمة ضرورية منسجمة مع المحصلة النهائية لإيقاع اليوم .
بدون كتابة انا متدخل في سير الوقت وطارئ متقحم لمعنى الاكتظاظ اليومي بالبشر .
بدونها انا بينهم هكذا تجسيد للتطفل ، 
ذلك انني إذ لا كتابة استحيل لجملة اهتمامات هي شكل من تقحم اهتمامات الآخرين ، كأن اشتري كوتا جديدا انافس به اكوات المجموعة ، او اظهر اهتماما بنوعية ما من اغاني الخليجيين الجدد ناهيك عن تقحم العلم الفني واروح كأي متطفل احدث صخبا في وليمة لا تشبه بحال معادلتي البيلوجية وتكاد تتقاتل مع صميم استذواقي للروائح والأطعمة وحتى الصحبة .
إذ تبعد عني الكتابة أستحيل لنبي سري منبوذ قلاه ربه ولا اشبه بحال نسختي الأليفة والمحترمة من النبي الانسان محمد ، لا اشبه حتى عذاباته ولا يسعني ولو قليلا امتلاك نغمته الوجدانية وهو يحاول تجنب سفهاء الطائف ، 
إذ تبتعد عني الكلمات تقذفني سفاهات الوجود بالقذارة واختنق اعزلا حتى من : اللهم اشكو اليك ضعف قوتي وقلة حيلتي .
تلك النغمة التي تجعل من قذارة الوجود مسافة بينك وبين القذارة وتغدو طاهرا ونقيا وكريما وأعلى بطريقة ما من قوة العداء ضدك وقد روضت الكراهية وحس الهوان بكلمات تقولها لمعنى اقوى منك ومن خصومك .
الكتابة تناغم ياقة الثوب الابيض مع عطفة الكوت الاسود عند عنقك وفي تلك المساحة البيضاء أطراف الكم ومجال كفك .
الكتابة وحدها ماكنحني شخصية ودورا في صنعاء ومكنتني ذات حقبة والآن أيضا من التواجد كواحد من اقوى رجال صنعاء .
الكتابة منحتني جسارة القفز على الحد الفاصل بين الهاوية وتردد الخاىف على سلامة قواه العقلية ، بالكلمات فحسب تمكنت من التجريب والتجانن والتماجن وفرقعة السوط القدري امام وفوق رؤوس القادرين على اذية الضعفاء .
بالكلمات فحسب ، الكلمات المحصلة لحالة استسلام من قبلي لقوة تمتمة عليا وكأنني وسيط فحسب ، وياله من دور ويالها من مهمة ان تقودك الكلمات لمصافحة شياطينك والوصول لمرحلة : سمك بلسمك .
بالكلمات وإذكاء قوتها الصادقة الصافية تمكنت من الاستحواذ على رجاء تحويل الضرر لضرورة وبها وحدها وجدت الحد الفاصل بين الشر بصورته التقليدية وفقا لفرز الشرير هو القادر على الحاق الضرر لأنتقل بالكتابة لاقناع الضحية أنه شرير هو الآخر ، شرير لحظة إذعانه الكلي للفقدان الرجاء الخيري في اعظم الشرور .
بالكلمات حظيت بكم ، تلك الموجات المتلاحقة من حس الامتنان وماتفعله كلماتي وماتمنحه لكم وبالمقابل تولمون لوجودي بسخاء وتقيمون لي كل مساء احتفالية استقبال وكأنني المسيح لحظة دخول القدس مزعما اتمام تجربته بالصلب والخلاص ومرة وكأنني الإسكندر واخرى وكأنني الشيطان لحظة هبوطه في مسكو ، والأغلب وكأنني انا واحد منكم وكل واحد فيكم ، الفتى المتأخر على سيارات القرية والمشمر تحت المطر يومض ولاعته في ليل المفرق ليخوض في الطين والهجس الليلي عائدا لقريته كل مساء مزمعا المغادرة كل صباح لمدينة قد يصادف حظا افضل بمسؤول اكثر دماثة قد يمنحه درجة وظيفية من خلال استقطاب حزبي قبيل انتخابات .
تلك التفاصيل التي اقتسمها معكم هي ماتبقيني وانتم معا ، حتى انكم تعذرونني اكثر من اي كاتب ، تقبلون مني صراحة ماترفضونه تلميحا من الآخرين ، وكأنني بالكتابة اخوكم الفصيح الذي تعرفون جوهره ، وتودون لو يظل يتحدث حتى وهو يقول احيانا قليلة اشياء لا تروقكم لكن احدكم يغمغم : لمحمود اسبابه .
لو تدرون كم احبكم 
انتم كل الذي لدي 
وبدون الكتابة لا انفصل عنكم فحسب لكنني اخبط في التيه باحثا عن نفس بقيت تتسرب مني منذ الطفولة ، نفس ايمائية حالمة مبهمة مزيج من " سرب من الانبياء وقطيع من المجرمين " وبالكلمات فقط اجدها وتتسرب من بين اصابعي وبالكلمات اجدكم ومع النقطة التي في آخر السطر تتموه وجوهكم في مويجات المرايا 
تنسحب الكلمات قليلا فتدع المساحة لحاجز مصقول وفاصل وشفاف وأصم 
حاجز بيننا نتنفس اوجاعنا السخينة على جانبيه
 فيتغبش الزجاج .