هل صالح أدخل الحوثيين إلى صنعاء؟

في رأيي أن صالح لا يبعد كثيرا عن الصواب عندما يؤكد في بعض خطاباته (كخطاب يوم أمس) أنه ليس مسؤولا عن تمكين الحوثيبن من السيطرة على الدولة، ويحاول أن يلقي بالمسؤولية على هادي، لا يبعد كثيرا عن الصواب، وإن كان لا يقول الصواب بعينه.

هل صالح هو من أدخل الحوثيين إلى صنعاء؟

أنا لست متأكد. نحن نخطئ عندما نتصور أن سيطرة الحوثيين على صنعاء هو حدث منفصل عن غيره من الأحداث، أي أنه لم يكن متوقعا، وبما أنه لم يكن متوقعا، فلا بد أن يكون من تدبير فاعل معين، ثم نلقي باللوم على صالح تارة، وعلى هادي تارة أخرى.

سيطرة الحوثيين على صنعاء هي نتيجة لسلسلة من الأحداث يمكن أن تمتد إلى ما قبل عشرين سنة. وليس معنى ذلك أنهم لم يتلقوا العون من أحد، بل على العكس، لقد تعاون معهم الجميع، هادي وصالح معا، ولم يكن ذلك لأن صالح متآمر على الدولة، أو لأن هادي خائن لها، وإنما لأن كلا من هادي وصالح، لم يكن أمامه إلا أن يتعاون مع هذه الجماعة. والحوثيون عندما حصلوا على مساعدة الجميع، لم يكن ذلك لأنهم محظوظون، أو لأنهم يملكون شيئا لا يمكله غيرهم. وإنما لأن الظروف التي كانت قائمة حينئذ، جعلت من المحتوم أن تسير الأحداث على تلك الشاكلة، وأن تنتهي إلى ما انتهت إليه.

عندما تأخذ الدول بالتفكك والاضمحلال، يبدأ التفكك، في الغالب، على شكل صراع سياسي داخل النخبة الحاكمة نفسها، أي أن السطلة، في هذه الحالة، لا تعود بيد شخص واحد أو هيئة واحدة، بل تصبح موزعة بين أشخاص أو هيئات عدة تتصارع فيما بينها، فينشغل مركز الحكم بهذا الصراع، وتبقى الأطراف في حالة فراغ. وفي هذه الأثناء من الطبيعي أن تبدأ الحركات الصغيرة التي كانت تتربص بالدولة على الدوام، حتى في فترات قوتها، من الطبيعي أن تبدأ هذه الحركات بالظهور. ويكون الظهور الأسرع من نصيب الحركة الأكثر قوة وتنظيما، وأول عمل تقوم به هذه الحركة، هو أن تسعى للقضاء على بقية الحركات المنافسة لها، ثم بعد ذلك تتفرغ لنظام الحكم المترهل، الذي تسيطر عليه نخب لا يجمع بينها شيء سوى عداء بعضها لبعض.

وهذه النخب عندما تشاهد الخطر، لا تستطيع أن تفعل شيئا لمواجهته، لأن الصراع فيما بينها يكون قد استنفذ كل قوتها من جهة، وقضى على كل فرصة للمصالحة فيما بينها من جهة أخرى، فيكون العمل الوحيد المتاح أمامها، هو أن تتسابق لإرضاء الحركة الصاعدة ومحاولة كسبها.

هذه القصة هي، بالضبط، ما شاهدناها في رحلة الحوثي من صعدة إلى صنعاء.

عندما شاهد الحوثي أن أطراف الحكم في صنعاء منشغلة بالصراع والدسائس، وأنها عاجزة عن أن تشكل له أي عائق، رأى أن الفرصة أصبحت سانحة أمامه، فبدأ بإزاحة خصومه من طريقه. وعندما التفت صالح وهادي وشاهدا الظهور المروع لحركة الحوثي، رأى كل واحد منهما أن العمل المنطقي الوحيد، هو أن يسارع لإرضاء هذه الحركة، قبل أن يسبقه الآخر إلى ذلك، وينفرد به. وهكذا مهدا للحوثي طريق صنعاء. ويقيني أنه لا صالح ولا هادي، كان يملك خطة معينة لمواجهة مرحلة ما بعد صنعاء، وإنما كان كل واحد منهما يتصرف بما تملي عليه المرحلة، ويحاول أن يكيف نفسه مع ضروراتها.

إذن عندما يقول صالح إنه ليس المسؤول عما حدث، هو لا يبعد كثيرا عن الحق، وكذلك هادي، الظروف هي التي فرضت على كل واحد أن يقوم بما قام به. أما من هو المسؤول عن خلق تلك الظروف، فهذه قصة أخرى.