مستقبل العلمانية في اليمن

على  الرغم  ان  قضية   العلمانية  في  اليمن  قضيه  حديثه  نسبياً مقارنة  بالدول  العربية الأخرى  التى  حاولت  منذ  بداية  القرن  العشرين   الإقتراب  من  النظم  العلمانية او حتى  تتبني  بعض    الجوانب  منها،  فأن  العلمانيه  تشق  طريقها  في  العالم  العربي  بقوة  ومن ضمن  ذلك  اليمن  ذاتها والتى  كان  مجرد  ذكر  مصطلح  العلمانية  يقيم  الدنيا  ولا يقعدها

 في هذا   المقال  سوف يتم  تسليط  الضوء  على   تطور  الحركه  العلمانية  في اليمن  وبشكل  اساس  منذ  عام  1990  وهو  عام  إعادة  الوحدة،  كما  سوف  يحاول  المقال تحليل  القوى  السياسية العلمانية  في  اليمن  الى جانب  الحديث  عن  مستقبل  العلمانية  في   اليمن خاصة بعد  ثوره  2011.

 ما  من  أحد يستطيع  أن ينكر   أن  العلمانية  ظهرت  في  اليمن مبكراً  بعد  ثوره 26 سبتمبر  على  أيدي  الرعيل  الاول  من  الثوار  الذين  حاولوا في  عهد  الحمدي تأسيس  دولة لها  مشروع   ولكن  كانت  تجارب  محدودة  في ظل غياب  الرؤية  المتكاملة حول العلمانية وهو الامر  الذي  انتهي  بقتل  الحمدي  وتولي على صالح  الذي  حاول  بعد  عام 1990 أن يقدم  تجربة ديمقراطية كانت مشوهه  كثيراً  فهي  ديمقراطية  بلا  مشروع  حقيقي  وبلا  قواعد حقيقية  للديمقراطيه  واكتفت  باستخدام  الصندوق  للتعبير عن  إراده  الشعب  وكان  هذا الصندوق شاهد  زور  على  عملية تزييف الديمقراطية و الوعي الديمقراطي وكان العامل  الأهم  في العملية والحاسم في إستقطاب  الناس  الى الانتخابات  بدافع  الدين  أو التعصب  للحزب  او  القبيلة في ظل غياب اي مشروع لبناء الدولة ، ومع  هذا يمكن  ان نقول  ان   هامشاً  ضيقاً  للحريه بدأ  في  عام  1990  وبدأ  صوت المطالبة   بالدولة العلمانية  يرتفع   على يد المناظل  الكبير عمر  الجاوي  الذي  اصطدم  سريعاً  بالمؤسسة  الدينية   وخاصة  حزب  الاصلاح " تنظيم الإخوان المسلمين" وزعيمة الديني  عبد  المجيد  الزنداني  والتى  ادت  في النهاية الى   محاوله  اغتيال عمر الجاوي عام 1992 والتى  راح  ضحيتها  المهندس حسن  الحريبي .  

خفت   أصوات  المطالبة  بدوله  علمانية  في  اليمن  بسبب توالي  عمليات الإغتيالات  للقيادات  الجنوبية  من  قبل  صالح  وحزب  الاصلاح  والتى  أنتهت  الى  اعلان  حرب صيف 1994  وما  تلاها من   حكم   ديمقراطي  مشوه ناتج عن  تحالف   العسكر  مع  المؤسسة الدينية  متمثلة  بحزب  الإخوان  المسلمين  الذين  استولوا  على  الموسسات  الأهم  في  الدولة وهي  الموسسات  التعليمية  والاقتصادية والتى  مكنتهم  من  فرض  أجندتهم  السياسية لمدة  قصيرة  من  الزمن   والتى  حاربت  اي فكرة  للدوله  العلمانية  وسخرت  المساجد  والمدارس   والمعاهد  للحرب ضد العلمانية

ومع  كل هذا  العداء  للعلمانية  ضلت  بعض  الاصوات الفكرية هنا  وهناك  تتحدث  عن ضرورة  تحديد  دور  رجال  الدين  في السياسة ولكنها  كانت أصوات عاجزة عن  إحداث  اي تأثير يذكروعلى  العكس  من  ذلك  أنتشرت  الأحزاب   الدينية  بمسميات  مختلفه  وبخلفيات  متنوعه  وبممولين  شتي ،  فظهرت  أحزاب سلفية واخرى  طائفية  وثالثه  إرهابية وتشكلت  جماعات  جهادية وبدات  العلميات  الإرهابية  تنتشر وتتسع  يوماً بعد  يوم   فتارة  يتم  قتل  السياح  وتارة اخرى يتم  اختطاف  العمال  الأجانب   وتفجير أبار النفط  أو  قطع  خطوط  التيار الكهربائي  أو  طرق  المواصلات  وبهذا  تحولت  البلد  الى   فوضي  عارمة عجزت  الدولة  عن  إيجاد  حل  لها .

في  بدايه  الالفية الثالثة  تطورت  الأحداث  المأساوية  في  اليمن  وبسبب  زيادة  حدة التطرف  بمختلف  أنواعها  بدأت  البيئة تتجه نحو العنف  والتى  بدات  باغتيال  المناضل  الاشتراكي   جار  الله  عمر  وبهذا   تهيأت  الظروف  للحروب  الداخلية  وهذا  ما حصل  في  حروب  صعدة  الستة  التى  بدأت  في عام 2004  وأستمرت حتى عام  2010  اي قبيل  ثورات  الربيع   العربي  الاسودأدت  هذه  الحروب  الداخلية  الى  تدمير   الدولة  في نهايه  المطاف بعد  قتل  حوالي 60  الف جندي  وأضعاف العدد من  المدنيين   وتدمير  الإقتصاد  والبنية  التحتية  في   مناطق  كثيرة من  اليمن

ابتدا  من  2007  بدأ  الحراك  الجنوبي  في حركتة ضد  دولة   الوحدة  بحجه  إقصاء الجنوب  وهي  ما زاد  في  تضييق   الهامش   الديمقراطي   المشوه والذي   كان  بعيداً  كل  البعد  عن  العمل  العلماني

ابتدأ  من  عام  2011 ومع  تطور احداث  الثورة  في  اليمن  وزيادة  الصراع الداخلي  الذي  تحول  الى حرب  طائفية  بين  الجماعات  الدينية  المختلفة  "السنية  -الشيعيةعادت  العلمانية  مرة  اخرى  الى  الواجهة  ولكن  طبعاً  بطريقه عشوائية  وغير منظمة  وقد بدأ  يتزايد  اعداد  الناس الذين يتحدثوا عن  ضرورة  إيجاد  نظام  علماني  يحيَد الدين  ويفصل  الدين  عن  الدولة.

 

في  الواقع لقد  بداء  الباحثين   العرب  منذ  أكثر  من  عقدين  من  الزمن  في  البحث  عن  صيغ  علمانية  تكون مخففة  ولا تتطابق مع  العلمانية التى  تتعارف  عليها معظم  دول العالم  في  الغرب  والشرق ، علمانية كما يدعي  المروجين  لها  تزاوج  بين العلمانيه  المطلقة وهي  علمانية  الغرب  وتحفظ  للعرب خصوصيتهم    الاسلامية  وهي  العلمانية  التي  اطلق الدكتور  عبدالوهاب  المسيري  عليها إسم  العلمانية  الجزئية  وهي  تعني  يتم علمنة  الدولة  وتبقى  السلطة القضائية تحمل خصوصيات  التشريع  اسلامي ،  أي  دوله  علمانية في   في  السلطة   التنفيذية ودينية  في سلطتيها  التشريعية  والقضائية  اذاً  لا يمكن تشيكل سلطة  قضائيه ومنظومة  تشريعية إسلامية بدون سلطة تشريعية اسلامية وهي السلطة  التى  ستشرع   وتطبق  الحدود  الاسلامية

هذ ا  الطرح  المتحفظ  للعلمانيه  لا يختلف  ابداً عن  طرح  أكثر حداثه  للعلمانية  على يد  الكاتب  اليمني   ذي  الخلفية  الاسلامية  عصام  القيسي  الذي  طرح  في  اطار  مشابه  وهو  مايسمي  بالعلمانية  الثالثة  وهي  علمانية  اقرب  ما تكون  لعلمانية المسيري الجزئية،  وحجة  عصام   القيسي  في هذه  النوع  من  العلمانية هي تقريباً نفس حجه  المسيري  وهي  ان  العرب  لهم خصوصياتهم  التشريعية الاسلامية والتى  يجب الحفاظ  عليها   وإدماجها  في  النظام العلمانيوهذا  يعني  بشكل  أو  بأخر  الالتفاف على  العلمانية الحقيقة .

 

بعد ثورة الربيع   العربي  بدأت  المطالبة  بنظام علماني  تتجدد وبدا  عدد المنادين  بها يتزايد  بشكل  كبير   وقد  ارتئينا  فتح  صفحة في  الفيس بوك  تنادي  بتأسيس  دوله  علمانية  في  اليمن  تحت  إسم من  اجل دولة علمانية وعندما   فتحت  الصفحة  كنا  ثلاثه  فقط  وبعد حوالي   أربع  سنوات أصبح عدد  المنظمينن  للصفحه  حوالي  تسعة الف   وطبعاً أكثرهم  لا يؤمنون  بالعلمانية ولكنهم يسجلوا   في الصفحة للتعرف  على  العلمانية  وبعضهم  ينشر  منشورات   مضادة  للعلمانيه  يحذر  منها  ويبين  عيوبها  من  وجهة نظره  وفي  نفس  الوقت  يوجد  عدد  لا بأس  به  من  أعضاء  الصفحة  يكتبون  أو  ينقلوا  رؤاهم  العلمانية  الى  الصفحة  وعلى  راس  اولئك  الناشرين  المفكر  الكبير  حسين  الوادعي الذي  يعيد  نشر  بعض  منشوراتة  ومقالاتة  عن   العلمانية  في  صفحة  من  أجل  دولة  علمانية

يجب الإعتراف أن  طريق  العلمانية ما يزال  طويلاً  وصعباً  للغايه  لذلك  يلجاء  العديد من المفكرين  والكتاب  وأصحاب  الرأى  الى  الالتفاف  على  الفكرة من  أجل  ان  يستسغها  الشعب و ذلك  بمحاوله  تلبيسها  بمسميات  أخرى  مثل  المدنية  أو  الديمقراطية   وفي  كلا  الحالتين   فإن  هذا  التلبيس   غير منطقي  فمعني   المدنية غير  محدد  وغير واضح  بل  انه  بعيد  كل  البعد  عن معنى العلمانية وبالمثل الديمقراطية التى تعني   حكم  الشعب نفسه  بنفسه  وليس  فصل  الدين  عن الدولة.   

لقد ساعد  الفيس بوك  ووسائل التواصل الإجتماعي  كثيراً  في نشر  الفكر  العلماني  وقد  تأسست  العديد من الصفحات  اليمنية والمجموعات التى  تنادي  بالعلمانية  فقد تأسست  صفحة   "علمانيين من  اجل  الجنوب"   و "علمانية من  أجل اليمنوكلها  صفحات  تدعوا  الى  تأسيس  دوله  أو دول  علمانية   كاملة.. العلمانية التي  تعمل على  فصل  الدين  عن  السياسة  ولكن للاسف  الى  الأن  يقتصر  عمل  جميع  القوى التى  تنادي  الى  العلمانية  على العمل  الإلكتروني  ولم  نخرج  الى  العمل  في الواقع  بالرغم من وجود عدة محاولات لعقد  إجتماعات  في  اليمن  أو في الخارج  ولكن  ضعف  الإمكانيات المادية  وظروف  الحرب  المستعرة  في  اليمن  كانت  تؤجل فكرة العمل  على  الارض  ، وفي إعتقادي  أن  هذا   التاجيل  سيستمر  لمدة  طويلة وغير محددة للاسباب  السابقة ولاسباب  أخرى متعلقة بعنف  الجماعات  الدينية  التى  تتجذر  أكثر  في المجتمعات  الفقيرة والامية وهذا يعني ان العلمانين  يجب  عليهم  العمل  على ترتيب  اولوياتهم  وكتابه مشروعهم  وتنظيم  افكارهم ومن  ثم  انفسهم    بشكل  هادئ   وان  اقتضى  الامر  سري  حتى  يتهيئ  الشعب  بشكل  اكبر  للعلمانيه الحقيقة وليس  فقط العلمانية  المشوهة والتي تسبب  الإحباط  ومن  ثم  ترتكس  الى  الوراء  .

إن  العلمانية  لن تنجح  في  الوطن  العربي الاَ  في حاله واحدة  وهي  الالتزام بها  كما  تلتزم بها  كافة الدول  العلمانية وفي  حالات الضرورة  القصوي  يتم عمل   بعض  التعديلات   التى لا تمس جوهر  العلمانية والتى  تتمثل  في  فصل الدين  عن  الدولة  وذلك  من  أجل   تسهيل  تطبيق  العلمانية  في البلاد  العربية عامة  واليمن  على وجه  الخصوص .   

إن  العلمانية  أصبحت   ضرورة  لا محيص  عنها  ومهما  طالت  المقاومة  لها  فسوف  يرضخ العرب  لها  كصيرورة  تاريخية  تفرضها الأحداث المتدافعة  كالسيل  الجرار وهو  السيل  الذي سيجرف أمامه الكثير من  الرؤئ والافكار  وحتى  المعتقدات  التى  تسببت  في خراب  البلدان  العربية وتدميرها

- خاص  "الرأي الثالث"