تيران وصنافير سعودية

ما الذي سيقوله البعض إذا سمع من الرئيس الراحل الزعيم جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر والكاتب الكبير محمد حسنين هيكل اقراراً واضحاً وصريحاً وموثقاً بأن جزيرتي تيران وصنافير سعوديتان؛ وان المملكة سلمتهما لمصر على سبيل الإعارة لتستغلهما في صراعها مع اسرائيل؟؛ ما الذي سيقولونه عندما نثبت تلك الحقيقة من كتب المفكر والصحفي الكبير الراحل محمد حسنين هيكل؟؛ والذي لديه مواقف واضحة يختلف فيها مع النظام السعودي منذ عقود طويلة؛ ولا يمكن الجرح في شهادته لصالح السعودية.

***

لا مكان للموضوعية؛ ولا لحقائق التاريخ؛ ولا للمعاهدات والاتفاقات والمراسلات الدبلوماسية منذ أكثر من خمسين عاماً؛ في الحديث الدائر على مستوى السياسة والإعلام عن أزمة تيران وصنافير بين السعودية ومصر؛ الأزمة تُظهر كماً هائلاً من الافتراءات والتوظيف السياسي؛ ومساعي حثيثة لإيصال الخلاف الى الشعوب؛ بغرض اثارة البغضاء بينها، ومغازلة الحس الوطني؛ وتوظيف الكثير من الأطراف للنزاع؛ وبالأخص منها تيار الإخوان المسلمين.

***

كما أن القضية تحولت الى فرصة للقدح في النظامين؛ السعودي والمصري على السواء؛ الأول باعتباره يستخدم اموال النفط في التوسع جغرافياً عبر شراء الذمم؛ والثاني باعتباره باع أرضه وخان شعبه؛ للانتقام منهما بسبب تعاونهما في إسقاط نظام الرئيس الإخواني المنتخب محمد مرسي.

***

أخذ الخلاف أكبر من حجمه؛ وتم تحويله بفعل فاعل الى أيقونة للهجوم بالذات على النظام المصري، والرئيس عبدالفتاح السيسي؛ والتشكيك في وطنيته، ووصل الأمر الى عقد مؤتمر في تركيا لنخب سياسية مصرية معارضة؛ اخوانية وغير اخوانية؛ منهم ايمن نور وعمرو دراج وسيف عبد الفتاح وقطب العربي ورامي جان وعصام تليمة، وتحدث باسمهم في المؤتمر الصحفي الذي عقدوه الشاعر عبدالرحمن يوسف القرضاوي؛ واصدروا بيان؛ كالوا فيه تهماً شتى للنظام المصري؛ متهمين له ببيع ارض مصرية لأجنبي، معتبرين ذلك جزء من صفقة سيتم فيها التفريط بسيناء؛ كما ادخلوا ما أسموه حصار قطر ضمن الصفقة المزعومة؛ والكثير من الكلام الغير مستند الى أي حقيقة بهدف النيل من النظام المصري؛ وتوظيف القضية سياسياً بأبشع الأوجه.

***

ودفاعاً عن الحقيقية؛ لا عن النظامين؛ واللذان عليهما الكثير من المآخذ؛ لكنهما ظُلما كثيراً فيما يتعلق بالأزمة حول الجزيرتين؛ والتي لا تعد أزمة بين الدولتين؛ لأن موضوعهما محسوم باتفاقات رسمية لا ترقى صحتها الى شك؛ بل تعد أزمة وعي؛ وأزمة موضوعية؛ أكثر منها أزمة وخلاف بين دولتين.

***

لا أريد أن أطيل عليكم؛ سأنقلكم لكم حقائق تاريخية حول الجزيرتين نقلها اهم كاتب وصحفي ومؤرخ مصري؛ وهو الاستاذ محمد حسنين هيكل؛ في اكثر من كتاب من مؤلفاته؛ هذه الكتب موجودة في الكثير من البيوت والمكتبات منذ عقود، قبل أن يصل الرئيس عبدالفتاح السيسي الى الحكم بعشرات السنين، وبإمكانكم التأكد منها؛ والنسخة التي نقلت عنها ضمن مجموعة كتب ومجلدات الراحل هيكل، طبعة دار الشروق، هذه الشهادات بعضها على لسان زعيم عربي ومصري لا يمكن بأي حال من الاحوال القدح فيه فيما يتعلق ببيع أو التنازل عن أرض مصرية؛ أتحدث عن الزعيم جمال عبدالناصر؛ هذا بالإضافة الى الوثائق المودعة حول الجزيرتين في وزاراتي الخارجية في مصر والمملكة، والتي تؤكد ما جاء في كتب هيكل على لسان عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وهيكل نفسه.

***

سأنقل لكم حرفياً اقتباسات من بعض كتب هيكل:

الاقتباس الأول/ من كتاب: (حرب الثلاثين سنةسنوات الغليان- صفحة 97) وينص الاقتباس حرفياً على التالي: (ان جزر "صنافير" و"تيران" التي كانت مصر تمارس منها سلطة التعرض للملاحة الإسرائيلية في الخليج هي جزر سعودية جرى وضعها تحت تصرف مصر بترتيب خاص بين القاهرة والرياض.).

الاقتباس الثاني/ من كتاب: (حرب الثلاثين سنة/ سنوات الغليان- صفحة 700)، وينص الاقتباس على التالي حرفياً: (وأراد الملكيقصد سعود بن عبدالعزيز- مواصلة التوسط لدى الرئيس الأمريكي في موضوع خليج العقبة، الذي تعهد ببذل جهود في سبيله وخصوصاً أن جزر "تيران" و "صنافير" الواقعة في وسط الخليج، والتي كانت مصر تمارس منها عملية الحظر على الملاحة الإسرائيلية، هي في الأصل جزر سعودية معارة لمصر بحكم التحالف بين البلدين.).

الاقتباس الثالث/ من كتاب: (حرب الثلاثين سنة / الانفجار- صفحة 732)، وينص الاقتباس حرفياً على: ( وعادت مشاكل الماضي تفرض نفسها على الاجتماع، ولاحظ المشير عامر أن "السعودية لم تتخذ أي موقف إيجابي في موضوع قفل الخليج مع أن جزر تيران في الأصل سعودية ومعارة لمصر).

الاقتباس الرابع/ من كتاب: (حرب الثلاثين سنة / الانفجار- صفحة 614)، وينص الاقتباس حرفياً على التالي: (الرئيس عبد الناصرمحدثاً يوثانت الأمين العام للأم المتحدة- : هناك جزيرتان كبيرتان في وسط الخليج، بين السعودية العربية وسيناء.. جزيرتان مصريتان كانتا سعوديتين وقد تنازلت عنهما السعودية.). وقول عبد الناصر ان السعودية تنازلت عنهما يهدف الى اقناع يوثانت أن من حق مصر اغلاق المضيق باعتباره يقع ضمن المياه الإقليمية المصرية، ومن سياق الحديث في ذلك الفصل من الكتاب وبقية الكتب ستتأكدون من ذلك، إضافة الى أن عبدالناصر أقر أنهما سعوديتان، وقوله أن السعودية تنازلت لمصر عن الجزيرتينفي حال كان يعنيه حقيقة- يحتاج الى دليل، فإقراره بسعودية الجزيرتين حجة دامغة للمملكة، وادعائه بأنه تم التنازل عنهما مجرد دعوى تحتاج الى دليل، والقانونيون يعرفون ما أقول أكثر من غيرهم.

وهناك المزيد من الاقتباسات في كتب هيكل عن الجزيرتين، يمكن للمهتمين الاطلاع عليها، لكي يعرفوا أن ما يقال حول الأزمة مجرد هرتلة دون وعي ومنطق وموضوعية، وتوظيف سياسي رخيص لقضية واضحة وضوح الشمس.

***
وفي الأخير أدعوا كل العقلاء من السياسيين والكتابي والإعلاميين المصرين وغير المصريين تجنب تهييج الشارع المصري، ونقل الحقائق اليه، والحديث عن قضية الجزيرتين بشكل موضوعي ومنطقي، فالمنطقة ومصر ليست ناقصة مشاكل وفتن، وبإمكانهم توجيه نقد للنظام المصري في أي قصور أو أخطاء، لكن توظيف قضية واضحة وحرفها عن مسارها يحول النظام الى مظلوم ومُفتَرى عليه، وبالأخص عندما تظهر الحقيقة للمواطن المصري العادي، والذي سيعرف حينها أن نخبته السياسية والصحفية خانته، وأشبعت وعيه بأكاذيب وافتراءات.