الكاتب والقاتل: أيهما أخطر؟

من يكتب عن الحرب فكأنما يمشي في أرض فيها ألغام، لا يدري في أي خطوة ينفجر فيه اللغم

حينما يكتب الكاتب مقالا سيجد من يرفعه إلى مصاف الأبطال. وفي المقابل من ينحدر به إلى مصاف الخونة والعملاء. وفي أحسن الظروف سيوقف راتبك وستحال إلى الفصل من وظيفتك طالما أنك لا تمجد القتلة

ربما يكون ذلك طبيعيا في الاختلاف معك في وجهات النظر، خاصة وأن المتقاتلين لكل منهم شهود يمتثلوا في الضحايا الذي يحمل كل منهم رؤية خاصة في ذاكرته ومخيلته. لكن ليس من حقه أن ينفيك من الوجود ويمنع عنك وعن من تعول أسباب الحياة لأنك لا تمجد بطولاته في قتل إخوانه ولا تقبل بفساده وظلمه الذي يحتضن عشرات الآلاف من المعتقلين.

بصيرة الكتابة وعمى الحرب

من منا لا يرى الصور التي تتوالى من شاشات التلفزيون المحملة بالدم وهي تنقل طفلا يتلوى في إحدى طرقات المستشفى مصاب بوباء الكوليرا وآخر تم انتشاله من تحت أنقاض بيت دمرته الطائرات أو قذائف الدبابات؟ 

كل ما يستطيع أن يفعله الكاتب هو استعمال المعلومات المتاحة للكتابة والتي تشعره بطعم الدم في ثنايا الحلق فينشد السلام. بينما القاتل يطلب منك أن تتوقف عن الكتابة حتى لا تلطخ بندقيته بحبر السلام. وكأن كتاباتك تفقده اللذة بالقتل والدمار

يريدون منعك من الانضمام إلى ملايين المقهورين. يريدون أن يكون القرار قرارهم وليس قرارك وحدك. يرسلون قذائفهم وصواريخهم ونحن ندفع ثمن حماقاتهم.

الانتظار على أبواب الوطن

وجدنا أنفسنا فجأة عالقين على بوابات الوطن في نهاية مجهولة لحربهم التي ابتداؤها. ومع ذلك لم يكتفوا بإيصال الوطن إلى ماوصل إليه بل يريدون أيضا تضليلنا بحقيقة ماحدث لنا وما كنا شهودا عليه. فمهما حاول القتلة تضليل المشهد إلا أن الحقيقة ستظل ساكنة في الذاكرة والمخيلة لمن كانوا في مسرح الجريمة طالما هناك ناجون وهناك شهود

سنظل نقهر الحرب وآلامها وننتصر للإنسان اليمني من خلال الكتابة.

الشرعية والانقلاب وجهين لموت واحد

لست أدري بماذا تفاخر الشرعية أو الانقلابيون؟ هل يفاخرون بعشرات الآلاف من القتلى والجرحى، أو بمئات الآلاف من المصابين بوباء الكوليرا، أم بملايين الفقراء والجوعى ؟ لم يعد هناك كهرباء ولا مياه نظيفة والموت أصبح في كل بيت. والوطن متشظي والتعددية توحدت بالعنف والحقد والكراهية

ومع ذلك مازال المتقاتلون يدعون إلى مزيد من الاقتتال. ولم نسمع أن طرفا صحى ضميره ودعا إلى وقف الحرب واستبدالها بالتنمية والبناء والعيش بسلام.

يقف العقل عاجزا عن فهم مكونات هؤلاء القتلة وإلى أي جنس ينتمون. وكأنهم لا ينتمون إلى هذا الشعب أو هذا البلد

أيعقل ألا يجد هؤلاء القتلة بديلا للحرب ومآسيها إلا باستمرارها.

أين العقلاء؟

من الغريب جدا خلال ثلاث سنوات حرب لم يظهر العقلاء والمفكرين والمثقفين ورجال الأعمال لإيجاد مناخ إنساني عاقل ومجتمع متحاب ووطن خال من الغض والكراهية والعنف

نحن قادمون على هاوية لا قعر لها يقودها المتعصبون، فأين العقلاء؟

جمر الكراهية

يتراكم جمر الكراهية كل يوم وتزداد الحرائق ويصبح الموت طبيعيا. وتأتي الدعوات لمحاربة فكرة الموت بالمزيد من الموت. وتنقلب الدعوات من التضامن مع المقتول إلى الدعوة إلى المزيد من قتل الآخر الذي نعتقد أنه عدو

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما قيمة الدين الذي نزعم أننا نتبعه، وما قيمة الأخلاق والقيم التي نزعم أننا نتحلى بها إذا لم تنجح في حماية اليمنيين من القتل وتأمين حياتهم والحفاظ على كرامتهم؟ 

لقد قتلنا عشرات الآلاف في هذه الحرب، فهل بينهم إيرانيين كما يزعم أصحاب الشرعية؟ أو فيهم أمريكيين وإسرائليين كما تزعم جماعة الحوثي؟ جميعهم يمنيين يقتلون بأيد يمنية وعلى أرض يمنية فيما عدا الذين تقتلهم صواريخ العدوان.

نحن أمام حرب الثارات المتدحرجة التي باتت تستطيع حرق كل شيء وأي شيء. وإذا لم تستبدل بأخلاقيات جديدة فلن نخرج من هذه الدوامة الحارقة

نحتاج لمن يسرق النيران من أفواه البنادق والمدافع والصواريخ ويحولها إلى طاقة مفيدة يوزعها على مواقد الفقراء وأفران الخبازين ومشارط الأطباء. ولا نحتاج لمن يسرق مرتباتنا ووظائفنا ومستقبل أبنائنا.

نحن جماعة السلام سننتصر لا محالة على دعاة الحرب. فقد انتصر غاندي على بريطانيا بالسلام وهي هزمت ولديها أقوى سلاح في العالم يفوق سلاح الشرعية ومن ورائها السعودية. وانتصر نلسون مانديلا بالسلام على أعتى نظام فصل عنصري يفوق عنصرية الحوثيين.