رئيس طيارة الفرح

حتى الذين كانوا صغاراً تحت سن الرابعة يتذكرون الآن جيداً مروحيات الهيلوكبتر التي كانت في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي تحلق فوق رؤوسهم وتفرغ ما بداخلها من أكياس نايلون شفافة ومليئة بقطع البسكويت والحلوى.

أتذكر ذلك بما يشبه الخيال
ولابد أن تلك الحركة الدافئة والسهلة التي أبدعتها مروحيات «الحمدي» لم يكن الهدف منها إسعاد الأطفال فحسب، بل علمتهُم كيف يرفعون رؤوسهم إلى السماء.
الآن وبعد كل هذه السنوات من اغتيال «الحمدي» نسى الأطفال والكبار- معاً- رؤوسهم في الأرض
ولم تعد المروحيات حنونة قدر ما هيَ نذير شؤم و«نخيط» .
لم أعش فترته ، كنت خلال الفترة من 13يونيو 1974 وحتى11 أكتوبر1977 لم أزل طفلاً في الثالثة من عمري ،وأتذكر الآن صورة لأختي التي تصغرني بـ 3 سنوات وهي ترتدي بزة كاكية اللون وكفها مفتوح لصق جبهتها تؤدي التحية العسكرية وعلى رأسها قبعة كتلك التي لبسها «الحمدي» في آخر صورة أُلتقطت له أثناء زيارته لمصر عام 1976.
جيل من الأطفال الذين لم يعايشوا فترة الحمدي التقط لهم أهاليهم لاحقاً ـ بعد سنوات من اغتياله ـ صوراً وهم يؤدون مثل تلك التحية العسكرية البهية ،كما لو أنها آخر ذكرى حملها الآباء لرئيسٍ صنع للبزة العسكرية هيبتها وكارزميتها الأنيقة . أو كذكرى لـ 40 شهراً فقط مرت كما لو أنها شهر عسل عاشها إنسان شمال اليمن لصق زعيمٍ حليق الشارب ونزيه اليد، كانت كرامة إنسان اليمن أهم أولوياته.
بالتأكيد كل الذين خذلهم القانون الآن وحيطتهم الانتماءات الضيقة وهمشتهم المصالح الأسرية وأهانتهم بُلدان الاغتراب وتنصعتهم بنادق زعماء القبيلة يحلمون بفرصة أخرى كتلك التي جاءت بإبراهيم الحمدي إلى سدة الحكم ليستعيدوا معه «دولة المواطنين» المنهوبة . لاسيما وأن أولئك الذين اغتالوا «إبراهيم» - كما اعتاد عامة الناس مناداته غير مسبوق بأي لقب - لم ينجحوا في اختطاف السلطة فحسب، بل نجحوا أيضاً في جعل إنسان اليمن هامشياً وتعوزه جُرأة رفع رأسه من جديد.