خبراء علي صالح، ووحدة هيلموت كول!

قبيل تحقيق الوحدة الألمانية في اكتوبر 1990 قال علي عبد الله صالح في مؤتمر صحفي: اذا أراد الألمان خبراء في تحقيق الوحدة فنحن على استعداد لارسالهم لهم!

كان التصريح دليلا دامغا على الخفة والعشوائية التي تعاملت لها التخبة السياسية اليمنية مع قضية الوحدة.

ويجب التأكيد هنا ان نخبة الشمال كانت اكثر عقلانية من نخبة الجنوب في مسالة الوحدة. ففي حين كان الشمال يطالب بالبدء بوحدة فيدرالية او كونفدرالية لعدة سنوات وصولا الى الاندماج الكامل، كانت نخبة الجنوب مصرة على الوحدة الفورية الشاملة.
توحدت ألمانيا وبعث على عبد الله صالح "خبراءه" التوحيديين لإغتيال الخصوم وتدمير الحياة السياسية وتدمير ونهب الجنوب وتفتيت النسيج الاجتماعي شمالا وجنوبا.
توفي هذا الأسبوع هيلموت كول، موحد ألمانيا ورجلها الحكيم والقوي، والمانيا لا زالت موحدة وقوية ونموذجا للحرية والرفاه، بينما لا زال علي صالح حيا ومتمتعا بصحة شبابية فريدة لكن خبراءه دمروا اليمن وحولوها الى فسيفساء للفقر والموت والمرض.
توحيد الشعوب ليس سهلا. فالجدل حول الوحدة ونجاحها لا زالت محتدما في ألمانيا بين الألمان "الشرقيين" و" الغربيين".
فاغلب السياسيين ورجال الأعمال والأغنياء وصناع القرار لا زالوا من ما كان سابقا ألمانيا الغربية مما خلق جوا من التذمر من قبل من كانوا سابقا ألمانا شرقيين.
لكن "الغربيين" يردون بالمثل قائلين أن التفاوت بين "الشطرين" امر طبيعي لأن ألمانيا الغربية استمرت في نهضتها وتطورها عقب الحرب العالمية الثانية بينما وقعت ألمانيا الشرقية ضحية نظام دمر اقتصادها وشتت طاقات مواطنيها وهبط بها الى مستوى الدول الفقيرة.
ويرون ان ألمانيا الغربية خسرت كثيرا بالوحدة لأنها تحملت لوحدها تكاليف إعمار الشطر الفقير المتخلف الهارب من 50 عاما من الحكم الشمولي.
لكن هذا الجدل لا يمنع احساس الألمان انهم جميعا أمة واحدة وبلد واحد رغم التفاوت.
لماذا أتذكر هذا؟
في خضم الحديث عن الوحدة الألمانية والوحدة اليمنية شاهدت صورة لمجموعة من الشباب اليمنيين "الجنوبيين" يحملون علم الجنوب الى جانب علم كردستان العراق ويؤكدون دعمهم الكامل لانفصال إقليم كردستان عن العراق!
ورغم عدم شكي لحظة واحدة في النوايا الحسنة لهذا الشباب المتعلم الذي يريد حمل القضية الجنوبية الى المحافل العالمية، إلا أن الطريق الى جهنم الدنيا مفروش بالنوايا الحسنة.
فمن السذاجة مثلا الإعتقاد ان دعم قضية حق تقرير المصير في الجنوب اليمني يقتضي مننا بالضرورة دعم كل حركات الإنفصال في العالم بدون تمييز.
كما أن ربط القضية الجنوبية بقضية ملغومة مثل قضية الأكراد حماقة سياسية ضارة.
فقضية الأكراد تثير حساسية اربع دول هي إيران والعراق وتركيا وسوريا يؤدي تشكيل اي كيان سياسي مستقل للأكراد الى تفتيت حدودها وخلق دولة كردية عملاقة تهدد الجميع.
كما إن استقلال إقليم كردستان قد يكون اشارة الانطلاق لتفكك العراق الى ثلاث دول متنازعة (أكراد، سنة، شيعة) تعيش في حروب حدودية لا تتوقف.
والذي أخاف منه أننا نتعامل مع تقرير المصير والانفصال بنفس الخفة التي تعاملنا معها مع قضية الوحدة عام 1990.
ويبدو أن "خبراء" الإنفصال لا يقلون خفة عن "خبراء" الوحدة الذين تباهى بهم على صالح عام 1990.