قراءة أولية في وقف إطلاق النار بجبهة لبنان

 تقارير وتصريحات كثيرة تسربت اليوم كشفت عن نية الكيان الصهيوني القيام بعملية عسكرية مباغتة وواسعة على قطاع غزة، قبل أسبوع من عملية السابع من أكتوبر المباركة، والتي أطلق عليها الشهيد الحي يحيى السنوار زعيم المقاومة في القطاع اسم "طوفان الأقصى".

هدف العملية "تطهير" القطاع من قيادات فصائل المقاومة عبر الاغتيال بالاستهداف المباشر، وتفريغ القطاع من أكبر قدر من سكانه عبر التهجير القسري إلى مصر تحت تأثير القوة النارية العارية بالقتل والتدمير والحصار، وعودة القطاع بعد ذلك للإدارة الصهيونية وإلحاقه ببنود "اتفاقية أوسلو"، وتطويعه بالترهيب والترغيب، تمهيدًا لانطلاق المشروع الصهيوني "الحُلم" والمتمثل بشق قناة بن جوريون، وانطلاق الخط التجاري "نيودلهي- تل أبيب- أوروبا"، وهو خط موازٍ ومضاد لمشروع الحزام والطريق الصيني، والبدء في التنقيب عن الثروات النفطية والغازية ببحر غزة.

وبتحقيق هذه الأحلام الثلاثة، أعتقد الكيان الصهيوني أنه سيحقق الخلود الأبدي، والتفوق والسيطرة الإقليمية الأبدية، كما أعتقد الراعي الأمريكي بأن تحقيق هذه الأحلام للكيان سيجعل منه كيانًا إقليميًا عملاقًا مهيمنًا مستقلًا عن الدعم والرعاية الأمريكية والغربية المباشرة، بفعل استنبات شرق أوسط جديد قوامه سيطرة الكيان التامة عليه ترهيبًا وترغيبًا، لتصبح أقطاره وشعوبه وثرواته غنيمة حرب دائمة للغرب بواسطة استثمارهم التاريخي المسمى بـ"إسرائيل".

وبما أن الأحلام نوعان، رؤى صادقة وأضغاث أحلام توسوس بها النفس، فقد التقطت فصائل المقاومة السبق، وأطلقت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، والتي فاجأت الكيان والعالم بالصوت والصورة، وأحدثت زلزالًا عكسيًا بداخل مخطط الكيان ورعاته الإقليميين والدوليين لم يفيقوا من صدمته رغم مرور ما يقارب عام وأربعة أشهر.

يقال إن العبرة بالنتائج، وهذا ما يدفعنا إلى حصر نتائج الطوفان على الأرض بعيدًا عن ضجيج الإعلام ومخرجات الذاكرة المثقوبة للبعض.

لم يعد من حديث للعدو ورعاته اليوم عن تطهير أو تهجير بغزة، كما لم يعد العدو يتحدث عن سلاح فصائل المقاومة في غزة أو لبنان، حيث خضع العدو ورضخ لقواعد نتائج الميدان على أرض المعركة، حين اكتشف أن الردع تحول إلى وجع متبادل، وأن القصاص منه فوري ودقيق للغاية، وأنه أصبح بكامل جغرافيته وأسراره العسكرية والمدنية كتابًا مفتوحًا لفصائل المقاومة ومن جغرافيات قريبة وبعيدة كذلك.

تحولت أحلام العدو ورعاته إلى كوابيس يومية على الأرض، وأصبح الموت والدمار وجبات يومية يصحو وينام عليها، ونفذت كل حيله واستنزفت كل طاقاته البدائية والتقنية وهُزمت على أرض المعركة ويومياتها.

هنا فقط بدأ العدو يبحث عن مخرج له من هذا المستنقع المر، عبر أي حل تعيد له أنفاسه وترمم ما تبقى له من مقدرات مادية ومعنوية وعقلية، وتجسد كل هذا في قول لكبيرهم نتنياهو: إن قرار وقف إطلاق النار ليس "مثاليًا"، ولكنه "أهون" الشرَّيْن.

لم يُكمل نتنياهو تفسيره لعبارة "أهون الشرَّيْن"، ولكن الوقع الميداني يفسر الشرَّيْن المقصودين بأنهما الهزيمة العسكرية النكراء، والدمار اليومي المُمنهج للكيان بفعل ضربات الصواريخ والمسيرات الانقضاضية.

الاتفاق اليوم يشمل الجبهة اللبنانية فقط، والتي أوجعت العدو بصورة كبيرة جدًا، ولكن هذا لا يعني خروج "حزب الله" من معادلة المبارزة وإحالته إلى مقاعد المتفرجين؛ فطالما بقي السلاح والأرض بيد الحزب فمن المبكر جدًا والسطحية الموغلة في الأمنيات الوردية وصف موقف الحزب القادم بالمتفرج السلبي في حال إخلال العدو بشروط الاتفاق بداخل جغرافية لبنان أو خارجها.

حزب الله جزءٌ فاعلٌ من منظومة محور المقاومة، وفي المقابل ينتمي إلى دولة لها سيادة ومصالح وحسابات داخلية وإقليمية ودولية، ودوره في طوفان الأقصى رفع من منسوب سيادة لبنان وعزز من فاعلية فصائل المقاومة بعزة، وعكس بجلاء وحدة الساحات في مواجهة العدو.

بقي للعدو ورعاته جبهات مواجهة مفتوحة ومؤرقة، تتمثل في غزة واليمن والعراق وسورية وإيران، ولن يهنأ العدو ورعاته بهدوء واستقرار- إلى حين بالطبع- ما لم تعرف تلك الملفات الحل الحقيقي.

قبل اللقاء.. هدوء ساحة جبهة معركة لا يعني أن الحرب انتهت!

وبالشكر تدوم النعم.

*سياسي وكاتب عُماني
Ali95312606@gmail.com