صيد "الصديقون"

ناضل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر خلال اربعة عقود من عمر الجمهورية ، من أجل بقاء مناطق شمال الشمال بلا تعليم . ليس لأنه لم يكن يحترم التعليم من أساسه ، ولكن لأنه كان يعرف جيدا بأن هؤلاء الصديقون لوتعلموا ستأثر فيهم مغريات المعرفة بسرعة وبعدا لاحق لك ربح فوق ضاحة . على ان نضال الشيخ وأبنائه في سبيل تجهيل الناس في مناطق مناطق المرتفعات الشمالية لم يستطع الحفاظ على "أمبراطوريتهم " الأثيرة ، وكان سقوط عمران بالنسبة للحوثيين أثمن ألف مرة من سقوط العاصمة ذاتها ، ليس لأن عمران مدينة لها منفذ على البحر ، بل لأن عمران طاقة بشرية لم تزل على "السجية . ولايبدو أن ابناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر متأثرون على زوال أمبراطوريتهم المشيخية ، فلديهم من المال مايجعلهم اباطرة في غير مكان ، لكن اين سيجدون "الصديقين"الذين سيحملون البنادق خلفهم ، لقد "لهفهم" السيد في هذه المرة...!

***

لدى الصديقون عموما مخيلة إنسانية لاتتوقع الشرور ولايخطر في بالها - عادة - أن كبيرهم الذي صدقوه سيقودهم الى الحياة خارج العصر . على ان قلوب "الصديقون " مطواعة " بطبيعتها ، ومجرد كلمة " الله المستعان يافلان " تغير ملامح وجهه سريعا حتى وإن بدا لك خصما شرسا أو غير نزيه . و معلوم ان المجتمعات العصبوية تشبه الأسرة في تنشأتها حيث هناك دائمافي هذه البئية- كبير يقرر وهناك "صديقون" ينفذون خصوصا إذا ماحدثهم عن حماية الإسلام ، فإنهم سرعان ما يتحولون الى ذخيرة حية تهتف بأسم السماء. على ان غالبية الذين نالهم حظ الوجاهة والنفوذ في مناطق شمال الشمال سفلة وتعاملوا مع ابناء مناطقهم باعتبارهم أدوات حرب طيعة ، مش باعتبارهم أوادم يستحقون حياة أفضل من حياة "حمالي" البنادق تارة في سبيل مجد الشيخ ، وأخرى في سبيل مجد السيد.وما من شيء على اية حال يسقط مناطق شمال الشمالدائما- في يد الشيخ تارة واخرى في يد السيد مثلما اسقطها غياب حاجة محترمة إسمها : الدولة .

وهذا اليمني المبندق وراء الشيخ او وراء السيد واصبح على الدوام عائقا امام الإنتقال الى العصر ؛ هو في حقيقة الأمر ليس وحشا ضار؛ ولاهو "بعبع"بلا رباط ؛ ولا هو همجي بطبيعته ولا هو قاطيع طريق ولاهو مولعي قتل كما هو في نظر العامة ..بل هو - وبكل بساطة - إنسان مليء بالطاقات وبالقدرات ويمكن تحويله وببساطة الى صانع حياة متى ماوجد كبيرا يدفعه الى الإتجاه الصحيح. ولكنه بسبب غياب المشروع الوطني الكبير والحاضن لتلك الطاقات وبسبب حرمانه من التعليم وبسبب إغلاق ومنع كل وسائل المعرفة في محيطه الإجتماعي الذي يعيش فيه وقع مرارا ضحية المداولة بين سلطة الشيخ والسيد اللذان أحالا إنسان شمال الشمال الطيب الى قوة مؤذية

وبدلا من ان يقترب الناس من هؤلاء الضحايا ومن نفسياتهم الطيبة والبسيطة؛ تجد النخب المثقفة تتعامل معهم بتعال واحد يمكنهم " يامبردقين " وواحد يسخر من القعشة حقهم والمفارقة العجيبة أن الشيخ والسيد وهم يستخدمونهم يقولون لهم بأنهم رجال شجعان وبأنهم في مهام لنصرة الحق . ويكفي الشيخ او السيد الذي بسط نفوذه عليهم ان يقولوا لهم بكلمتين بسيطتين : ابسروا مابيقولوا عليكم ؟ ليتحول اي نقد من هذا القبيل الى كراهية متضافرة وخلى المشط حقك يامثقف ينفعك ؟!

على ان هذا القبيلي المبندق اللي يعصد الدنيا عصيد ، هو في حقيقة الأمر في داخله إنسان سمح وحلو وشخصيا اقو ل لو مافي مناطق شمال الشمال إلا إنسانها " الصدَيق"بفطرته ، فإن ذلك يكفي لجعل طاقات هؤلاء الناس "المبندقين " ثروة جديرة بصنع تحول جوهري في صميم الحياة لكن عقودا طويلة من الحظ السيء جعلت من سكان هذه المناطق ضحية سلوكيات الكبار الذين قايضوا احترام الناس لهم بـ" النخيط" وكافئوا التصديق بالخرافات ..! 

وفي حقيقة الحال فإن ابناء هذه المناطق لايحملون السلاح أو يقطعون الطريق كهواية متوارثة مثلا ، بل يفعلون ذلك تصديقا لكبيرهم .. كبيرهم الذي استغل شهامتهم وأوهمهم - ذات يوم - أن قطع الطريق فيه خير وفيه نصرة للحق. و الحكاية ومافيها انه لم يعد هناك ، في هذه المناطق، كبار محترمون ويمكنهم ان يدفعوا بهؤلاء " الصديقون" انفسهم ثانية الى المجد

---------------------

موقع العربي