البوح ولو بقليل مما يجول في الخاطر
اعتراف
حاولت ابتعد عن اي كتابة بعد الاحداث الاخيرة والمتسارعة لكنني وجدت نفسي اليوم مجبراً لأبوح ولو بقليل مما يجول في الخاطر .
يبدو أن الحركات القومية العلمانية قد فشلت في أماكن كثيرة وخاصة بالوطن العربي، انما بدون شك ليس بسبب ميزاتها القومية العلمانية.
ان كل شيء يجري مع ذلك كما لو كانت هذه الميزات هي سبب الإدانة، بينما لا تطرح مشاكل الفساد الاقتصادي والسياسي في الدول الذي سخرها الاستعمار الجديد وزرع عناصر وصلت ألى اعلى مراكز القرار لتقوم بممارسة الفساد الاقتصادي والسياسي وتحت مظلة القومية العلمانية والوطنية وما هي إلا عناصر انتهازية مندسة لا ترى إلا مصالحها وتسخير الشعب ومقدراته لخدمة اجندتها.
اما بالنسبة للظروف الدولية التي تحول فيها السيطرة الأمريكية متطلبات القانون الدولي لمصالحها، وبما يخدم المشروع الصهيوني في منطقتنا، الأمر الذي ينتج عن ذلك تاجيج الأحقاد والمساهمة في بناء قصص الضحايا التي يسيطر فيها التخييل على الهوية الجماعية، والتي يتمسك بها أصحابها المثخنون بالجراح، ويعودون إلى إعلان إيمانهم المتشدد المصحوب بالتطرف الانفعالي الذي من شأنه يوفر لهم الأخذ بالثأر وتحقيق الوعود بما سينالونه من ثواب ونعيم في الحياة الأخرى، وبما يحقق الثوابت الدينية المقدسة، مع إنذار السياسة والقانون بضرورة الانصياع للتقاليد الأكثر رجعية.
وهكذا غذيت الإحباطات والتطلعات الجريحة أخطر المنابع وأشدها استلاباً. الأمر الذي اصبح اليوم معاشا أمامنا وكانت نتائج حتمية لسيناريوهات سابقة ترجمتها الحرب الأخيرة من انطلاقة غزوة ٧ اكتوبر ٢٠٢٣ إلى ٨ ديسمبر ٢٠٢٤ .
ولعل البعد القمعي والممارسات الفضيعة التي اعتمدتها السلطات عكست الحصيلة الحتمية لإحباط جماعي مزود بمعاداة ما كان يعتبرونه رمزية للدولة وللمثل العليا العصرية.
فالجماعات تغلب الأفراد بسهولة كلما بدأ للشعوب، بوصفها شعوباً، تحاول التغلب على تلك الاهانات التي تعرضت لها.
في المقابل لا يزال الغرب يبذل الكثير من الجهود لاستبدال سيطرته الاقتصادية بسيطرته السياسية الإمبريالية، المستمرة هذه الايام تحت أشكال متعددة، ولم يتردد أنصار خطاب حقوق الإنسان في تسخير الأصوليات الدينيه في أقطار عربية وكما حدث في افغانستان، في لعبة الشطرنج مع الاتحاد السوفييتي وتحريك قطعها اليوم في أماكن اخرى ، وبكل بساطة لتجنب ظهور بلدان مدنية تقدمية مستقلة عن المحيط الغربي وخارج عن سيطرته.
في هذه الايام ضاعفت ((الكلبية)) السياسية آثارها، إلى الحد انها تجاوزت تطلعات السحرة من التلاميذ المشعوذين والمنجمين.
لقد احتاج الأمر إلى أن المجانين في الله الذين شجعتهم امريكا سابقاً، قد حملوا الموت إلى كل مكان حتى الأماكن التي لم تكن تتوقعها.
فهل اصبح هذا كافي حتى يدبّ الوعي اخيراً بالخطر الداهم في العالم، إنه من المشكوك فيه ان سياسة القوة الغاشمة، دون الاهتمام بتضميد الجراح الحية التي تدين الظلم وتغذي الإحباطات، تستطيع السيطرة على تلك الانحرافات، فالأسباب ذاتها تؤدي إلى النتائج ذاتها.
انهم بلا شك المتفاوضون في الدوحة هم انفسهم الذين يقودون حروب الآلهة ولكن الحلقة لم تكتمل فهناك أيضاً بلدان مبتليه بمن يقودوا حروب الآلهة وادخلوا شعوبهم فيها رغم بعدها عن الحدث لكنهم ليسوا في معادلة التفاوض لتبقى المنطقة تحت رحمة العم سام المتحكم في تحريك قطع الشطرنج، يبدو اهتمامه في طي حرب الآلهة المتشابكة على رقعة الارض المختلف عليها لإنهائها قبل حفل التنصيب، ومنها يتفرغ بعد التنصيب لحرب الآلهة الكبيرة في أوكرانيا ومن ثم الصغيرة في اليمن التي ادخلت نفسها في المعادلة التي لم تكون عادلة في النتائج الاولية والأخيرة لانها ستكون خاسرة لاعتمادها على رهانات كاذبة خدعت الكثيرين من قبلها.
* دبلوماسي وسياسي يمني