Logo

راهب الأدب والشعر والحب والزهد .. وداعاً

لم تجهش روحي على أحد منذ وفاة أخي محمد كما أجهشَت على رحيل صديقي الزاهد الساهد الوفي النقي الثائر والناثر والشاعر والخطاط عبدالإله القُدسي.
تأمّل ملامح هذا الملاك الطفل الذي غادرنا اليوم حتى تُجهِشَ روحُك أيضاً
لا تُجهِشُ أرواحُنا لأنّ أحبّاءنا غادرونا فحسب، بل لأننا لم نودّعهم كما يجب وكما يليق بهم وبِنا! تُجهِشُ أرواحُنا لأننا لم نكن معهم ساعة أغلقوا عيونهم للأبد!
ربما نكونُ قد متنا ونزعم بالوهم أننا ما نزال أحياءً .. ربما .. من يدري!
أروع الرجال وأجملهم وأنبلهم في هذا البلد غادرونا ويغادرننا في مواسمِ موتٍ طالت أكثر مما يجب واستطالت حتى أصبحت عنواناً لبلاد ومأتماً لاينتهي لشعب!
مات الملاك عبدالإله القدسي وبقي شياطينُ السياسة ورعاةُ التعاسة ورِعاعُ النخاسة!
في صنعاء عاش عبدالإله نصف قرن يَرِفُ مثل طائرٍ أسطوريٍ غريبٍ ونادر ..يَرِفُ فحسب، لا تعرف سِرّ طاقته واحتماله وبطارية روحه التي لا تنفد وصموده والتماع سخريته وضوء ضحكته .. وحتى صمته الجليل في سنواته الأخيرة
عاش سنواتٍ مضيئة في بيت الشاعر البردوني كاتباً لقصائده وقارئاً بصوته للبردوني مئات الكتب والمجلات والصحف.
طوال حياته لم يمتلك بيتاً ولا سيارةً ولا حتى درّاجة!
كانت متعتهُ الوحيدةُ حتى اللحظة الأخيرة سيجارةً وكتاباً وأغنيةً ووجوهَ أصدقائه ورفاقه!
ذكرياتهُ عن البردوني ورحلاته معه للخارج كنزُ حكايات تمنيتُ عليه مراراً أن يكتبها
رحل هذا الملاك عن دنيانا وقد تجاوز السبعين
لكنّ الملاك الطفل مات وحيداً إلاّ من أُمّه في مدينة الزهرة بالحديدة
مرض في صنعاء منذ أسبوعين
جاءت أُمُّهُ التسعينية من الحديدة وهو في المستشفى
وقرّرتْ أن تعود بطفلها إلى مدينة الزهرة
لا حزب ولا رفيق ولا صديق وقف معه ولا دولةً شرعيةً أو مارقةً لا صنعاء لا عدن لا رئيس ولا أمين عام أو خاص لا سبعةً ولا ثمانية لا راشد فيهم ولا رشاد ولا وزارة ثقافة أو إعلام لا أحد سوى بضعة أصدقاء هم ملائكة الوقت: نشوان الحجري وأكرم وفيصل وبليغ!
كأنّ البلاد دِيست بدكّاكة فلا نُتُوءَ ولا رأس ولا مبادرة!
حزني المُمِض أنني لم أكن واحداً من الملائكة الأوفياء القِلّة الذين أحاطوا به قبل الرحيل!
آه يا عبدالإله .. آهةً لن تفارقني ما حييت!
سلامٌ عليك حياً وميّتاً .. وسلامٌ على أُمِّكَ في العالمين وقد قامت بما لم يقم بهِ حزبٌ نسي اسمه وفقد ذاكرته أو رفيقٌ بلا مروءةٍ خائب، وصديقٌ بلا فزّةٍ غائب  .. عزاؤنا للبلاد ولتهامة ولأُمّك العظيمة ولأولادك أحمد وباسم ولأصدقائك ومحبيك.
ورحمة الله تغشاك