Logo

عندما تصبح الشرعية عبئا ؟

 منذ اللحظة التي جاء فيها المجلس الرئاسي في اليمن، بدت الأمور وكأنها تكملة لسيناريو مُكرر لا يختلف عن سابقيه من الحكومات السابقة، تلك التي كانت تسير على درب الفشل المتواصل والوعود التي لا تُحصى.
 
ولعل الفاجعة الأكبر تكمن في أن حكومة المجلس الرئاسي التي تُجسد "الشرعية" اليوم لا تمتلك من الشرعية سوى اسمها، في حين يزداد انعدام الثقة بين الشعب والحكومة بشكل متسارع.
 
فإذا كانت الحكومة في الماضي مجرد أداة لتحقيق مصالح النخب، فإن اليوم أصبح شكلها أكثر وضوحا، وأقل قناعة لدى المواطن البسيط.
 
نعم ، ففي هذا الإطار، يتضح جليا أن المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية اليوم يعكسان صورة هزلية لنظام متهالك يحاول جاهدا إقناع الشعب بأنه البديل الوحيد.
 
لكن الحقيقة أن كل يوم يمضي يعكس مدى الفراغ السياسي الذي تعيشه هذه الحكومة.
 
نعم،أين هي الوعود التي طُرحت عند تشكيل المجلس الرئاسي؟ أين هي الجبهات المشتعلة في مواجهة المليشيات الحوثية ؟ أين هي الخطط التنموية التي كان من المفترض أن ترفع اليمن من وحل الفقر والفساد؟ يتضح أن كل هذا كان مجرد تسويق إعلامي لا أكثر.
 
بل تبدو المفارقة الكبرى هي أن تلك الحكومة، التي خرجت من رحم الثورة!!!!، أصبحت بمثابة تمثيلية سياسية كبيرة يتم عرضها على الشاشة اليومية لتسلية الشعب، في حين أن الواقع يشهد على تعميق أزمة الهوية الوطنية والانقسام الاجتماعي.

فهل من المعقول أن نعتقد بأن مجلسا يضم أفرادا طالما تمّ تداولهم في حلقات الفساد والتسلط، قادر على تحقيق أحلام اليمنيين في العيش الكريم؟
 
طبعا إحدى أعمق القضايا الآن هي مشكلة الشرعية، التي أصبحت أشبه بتميمة فارغة لا تحمل أي ثقل معنوي.
 
فالشرعية لا تُمنح بالبيانات الرسمية، بل تُكتسب من خلال الإنجاز الفعلي، ومن خلال الاستجابة لاحتياجات الشعب، وهو ما يبدو غائبا تماما في ظل الحكومة الحالية.
 
فيما التغيرات التي طال انتظارها أصبحت سرابا، والشعب لا يتوقع سوى مزيد من الوعود .
 
بل ولا يمكن لأحد أن يغفل عن وجود قوى أخرى تقف وراء هذه الحكومة، قوى لا هم لها سوى تعزيز مصالحها الخاصة، ولو على حساب اليمن بأسره.
 
ثم إن هؤلاء هم أصحاب المصالح الكبرى الذين لا يتورعون عن محاربة كل من يعترض طريقهم، حتى وإن كان ذلك على حساب دماء الشهداء وتضحيات الشعب.
 
ولا ننسى أن هناك الفشل الذريع في إدارة الملف الاقتصادي، إذ تبدو الحكومة وكأنها لا تمتلك أدنى فكرة عن كيفية تحريك عجلة الاقتصاد اليمني.
 
فلا توجد حلول حقيقية لمشاكل تدهور العملة ، البطالة، ولا توجد رؤية واضحة لتحفيز القطاع الخاص أو تنمية الموارد الطبيعية.
 
بل إن كل ما نراه هو تغييرات شكلية، تصريحات سخيفة، وعجز تام في تقديم حلول عملية.
 
كذلك لا يمكن إغفال المعضلة الاجتماعية التي أفرزها الفساد العميق.
 
فالمجتمع اليمني، الذي كان يُنظر إليه في فترة ما على أنه مجتمع متحد يرفع راية العدل والمساواة، أصبح الآن يُعاني من صراعات داخلية نتيجة لتفشي الفئوية والمناطقية والتطرف.
 
والشاهد أن هذه الحكومة لم تُمثل سوى تعزيزا لهذه الانقسامات، بل وعمقتها بتجاهلها لاحتياجات الشعب الحقيقية، لتصبح بذلك أداة إضافية في يد القوى الفاسدة.
 
أما إذا نظرنا إلى الحركات الثورية التي انتفضت ضد النظام القديم، فإننا نكتشف أن أكثر ما يثير السخرية هو أن من كانوا يدعون أنهم من أنصار التغيير، أصبحوا هم أنفسهم أعداء للتغيير، وهم مستمرون في إدارة المشهد السياسي بنفس العقلية القديمة.
 
 فما الذي تغير إذا؟ هل هذه هي الحكومة التي ستعيد لليمن دولته ومجده الجمهوري ؟
 
 أم أن ما نراه هو مجرد استنساخ مشوه لنظام فاسد، يتخفى وراء شعارات "الشرعية" و"الوفاق الوطني"؟
 
 بالتأكيد، لن ينطلي هذا على الشعب بعد الآن.
 
وصدقوني، فحتى وإن حاول المجلس الرئاسي تقديم نفسه كحام للشرعية والجمهورية، فإن الحقيقة الساطعة هي أن أي "شرعية" لا تعكس إرادة الشعب، وتستمر في تكريس الفساد والانقسام، لا يمكن أن تكون سوى عبء ثقيل على الوطن.
 
بمعنى أدق فاليمن بحاجة إلى قيادة جديدة، نزيهة، تأخذ من هموم الشعب وأوجاعه محركا للتغيير الحقيقي.
 
وما لم تُقدم الحكومة اليمنية الحالية على استجابة حقيقية لمطالب الشعب، فإن أيامها ستكون معدودة، بل وسيتحول التاريخ إلى نكتة سياسية سخيفة، بينما سيعيد الزمان نفسه بنفس الوجوه الفاسدة التي اعتادت على استنزاف الشعب وأحلامه.

واليهم المجلس الرئاسي ووزراء الحكومة:
 
أما أن تصدقوا أنكم أصحاب اليد المباركة، فتلك مسألة أخرى، لأن أي تغيير لن يأتي إلا إذا استوعبتم الحقيقة المرة: أن الشرعية ليست مجرد كلمة تُقال، بل فعل يُترجم إلى نتائج حقيقية على الأرض.

من هنا لا بد من نقد للملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في إطار مسؤوليتهما عن المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية. فمنذ بداية الأزمة اليمنية، كان واضحا أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هما اللاعبان الرئيسيان في تحديد مسارات السياسة اليمنية، ولعبتا دورا محوريا في تشكيل المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية الحالية. إلا أن ما جرى في الواقع هو تحميل الشعب اليمني عبئا ثقيلا من الفشل والوعود الكاذبة، وتكريس الهيمنة السياسية والاقتصادية على حساب تطلعات الشعب اليمني.
 
من هنا يجب أن تتحمل الرياض وأبوظبي المسؤولية الكاملة عن هذه الحكومة الهشة والمجلس الرئاسي الضعيف الذي أصبح مجرد أداة بيدهم لتنفيذ مصالحهم الخاصة في اليمن.
 
أعني أنه كان من المفترض أن يكون هذا المجلس تمثيلا لإرادة الشعب اليمني، إلا أنه في الحقيقة يمثل إرادة الدولتين أكثر من أي شيء آخر.
 
فكل القرارات، حتى تلك التي تخص السياسات الداخلية اليمنية،  تمر عبر هاتين الدولتين اللتين لم تكتفيا بدور الوسيط، بل فرضتا سيطرتهما على الملف اليمني بشكل كامل.
 
طيب: كانت الشراكة التي نشأت بين هذه القوى اليمنية الجديدة مدعومة من الرياض وأبوظبي، وتهدف إلى استقرار المناطق التي يسيطرون عليها، لكنها في الحقيقة أضعفت من قدرة اليمن على النهوض، إذ فرضت الحكومة نفسها دون النظر بجدية في مشاركة حقيقية لجميع الأطراف اليمنية، مما أدى إلى المزيد من الانقسامات السياسية والاجتماعية والتدهور الإقتصادي.
 
نعم ، وبضمير خالص أقول:الإمارات والسعودية مسؤولتان  عن تعزيز الفساد داخل ذلك المجلس وتلك الحكومة، من خلال دعم شخصيات سياسية واقتصادية لا تملك أي قاعدة شعبية حقيقية، بل تروج لنفسها عبر النفوذ السياسي والمال الذي توفره الدولتان.
 
نعم،  هذا الفساد المدعوم إقليميا أسهم في انهيار النظام السياسي اليمني وتعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
 
لنخلص إلى أنه لا يمكن للسعودية والإمارات أن تهربا من المسؤولية، فقد فرضتا هذا التشكيل الحكومي على الشعب اليمني دون مراعاة لمصالحه الحقيقية، وتركزتا فقط على تحقيق مصالحهما الاستراتيجية .
 
على إن استقرار اليمن ورفاه شعبه يجب أن يكون هدفا مشتركا، لكن ما يبدو واضحا هو أن المملكة والإمارات وضعتا أولوياتهما، في ترك اليمن يغرق في دوامة الفوضى والدمار.