Logo

اليمن يعيش وفق قواعد خارج المنطق

نحن الدولة الوحيدة في العالم التي نجد قياداتها المدنية والعسكرية، سواء من الشرعية أو الانقلاب أو الانتقالي وغيرها، مشغولة بمواصلة دراساتها العليا بينما تترك البلاد عرضة للكوارث دون أن تحرك ساكنًا.   
ونحن أيضًا الدولة الوحيدة التي يغرق فيها السياسيون والدبلوماسيون والإعلاميون في الحديث عبر منشوراتهم عن التقنية والابتكار والذكاء الاصطناعي، رغم أن أغلبهم من خلفيات أدبية أو حتى يحمل شهادات مزورة، بينما يغيب أي جهد حقيقي لطرح مبادرات للتنمية أو السلام أو حل المشكلات الملحة التي هي صميم عملهم. 
ونحن الدولة الوحيدة التي نجد فيها الطلاب والباحثون والأكاديميون قد تحولوا إلى محللين سياسيين ومنشغلين بالسياسة ومشاكل المجتمع، بدلاً من بناء قدراتهم العلمية والعملية وتطوير مستقبل أفضل لأنفسهم وأوطانهم. 
ونحن أيضًا الدولة الوحيدة التي تتوجه فيها قياداتها إلى المجتمع الإقليمي والدولي طالبة المساعدة في حل مشكلات المياه والكهرباء والبنية التحتية ودفع المرتبات، بينما نجد أنفسنا كحكومة غارقين في الفنادق الفاخرة في الخارج، نضيع وقتنا في فسح وما لا يُهم، وكأن قضايا اليمن مسؤولية موزنبيق ولاتهمنا كحكومة وقيادات. 
ونحن الدولة الوحيدة التي ما زالت نخبها تناقش شكل الدولة بعد مرور أكثر من 60 عامًا على إعلان الجمهورية، دون أن تقدم حلاً عمليًا أو رؤية واضحة للمستقبل، بل الكثير منها تبحث عن كفيل لها واسترزاق تحت يافطات القضايا الوطنية. 
ونحن الدولة الوحيدة التي لم يحقق فيها مشروعًا واحدًا يستحق الذكر منذ الثورة وحتى اليوم، ولم تستطع تقديم إرث حقيقي للأجيال القادمة ورغم ذلك تجد الكل منا يضع وجهات نظره كيف يمكن انقاذ الاقتصاد الغربي من الركود والانهيار. 
ونحن الدولة التي قامت ثورتها ضد النظام السابق والفساد، لكنها انتهت بنا إلى دوامة الفساد والفشل المزدوج، حيث أصبح الفساد والفشل وجهين لنفس العملة. 
ونحن المجتمع الوحيد الذي إذا طرح أحد المفكرين أو الأكاديميين قضية وطنية حيوية أو فساد يؤثر في حياتنا ومصيرنا، لم يلقَ الأمر سوى صمتًا أو اهتمامًا ضئيلًا. لكن لو نشرت فنانة عربية أو يمنية أو حتى ناشطة رأيًا حول المكياج، أو شكت من البرد، أو حتى تحدثت عن حضورها مؤتمرًا ما، ستجد الجميع منخرطًا في نقاش حاد وكأنهم بصدد حل مشاكل الكون بأسره! 
ونحن المجتمع الوحيد الذي يحشر نفسه في مشاكل وهموم سكان الكوكب، بينما ليس لديه وقت للنظر إلى مشاكله الخاصة وحلها او حتى تنظيف الشارع بجوار منزله. ونحن المجتمع الوحيد الذي يريد الكل أن يكونوا زعماء على بعضنا البعض، وهذا مع علمنا كم نحن ضعفاء وقليلو الحيلة بمعنى نعرف كم الديك وكم مرقه. 
يا الله هذه اليمن، نحتاج إلى مثقاب كهربائي لسد يأجوج ومأجوج، قده وقته. ونستغرب كيف لا يستوعب العالم طبيعتنا الفريدة.