Logo

الانفصال في اليمن ليس خيارًا ممكنًا !!

 أتابع هذه الأيام الحديث المتكرر حول الانفصال والوحدة بمناسبة عيد الوحدة، لكنني أرى أن طرح الانفصال كخيار غير واقعي قانونيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وجغرافيًا ، وهو في النهاية مضيعة للوقت والجهود التي يجب توجيهها نحو بناء اليمن وتحقيق التنمية. 

قد يقول أحدهم هنا: "وضح يا بروف أيوب، ما هو المنطق القانوني من سياق ذكرك للمؤشرات؟ وهل هناك إمكانية للانفصال والاعتراف به قانونًا؟".

 للاجابة باختصار سأتناول هنا جزئية بسيطة، المؤشر القانوني ، وسأترك المؤشرات الأخرى — كالجغرافي والمجتمعي والاقتصادي — جانبًا، لأنها جميعًا تشير إلى استحالة الانفصال، ولا تعدو كونها مصدرًا لإرهاق المجتمع اليمني دون جدوى. 

فاستنادًا إلى القوانين الدولية والعربية والإسلامية والخليجية، لا يوجد أي نص يدعم الانفصال في أي دولة او منظمة او مؤسسة اقليمية او دولية. 

صحيح هنا أن القانون الدولي يضمن حق الشعوب في تقرير مصيرها في ظاهره، لكنه في الوقت نفسه يضمن للدول الحفاظ على وحدة أراضيها. 

وبالتالي، فإن إعلان انفصال اليوم بعد 35 عامًا  من الوحدة وبعد عشر سنوات من الصراعات يُعد فشلاً ذريعًا في بناء مشروع للامة اليمنية. 

أحدكم سوف يقول "من باب المكارحة والهدرة" ، لكن حق تقرير المصير مبدأ أساسي في القانون الدولي، ونحن كنا دولة في الأمم المتحدة!" . 

والاجابة المختصرة، هذا الكلام ظاهره صحيح، ولكن الحفاظ على وحدة أراضي الدولة أهم من ذلك النص في القانون الدولي وجوهر النص ايضا، ولذلك فشلت العديد من المشاريع الانفصالية أمام هذا المبدأ.

 ومن بين أمثلة ذلك، من منطقتنا كردستان، حيث كان لديهم دولة ونصف، ومع ذلك فشل مشروعهم الانفصالي بشكل نهائي. 

وأما القول "كنا دولة قبل الوحدة ومن هذا الكلام"، فهو ليس له وزن في القانون الدولي ولايوجد طرف اقليمي حتى وان كان داعم يظل يوضح لكم ان ذلك انتهى، لأن الوحدة كانت اختيارية، وبعدها تم وضع دستور جديد خضع للاستفتاء من قبل الجنوب والشمال.

 ثم جاءت تعديلات دستورية، لكن في المجمل بقي الدستور كما هو، وهو المرجع الأساسي حتى اليوم. وحتى وثيقة الحوار الوطني والأقاليم لم ترقَ لتكون أساسًا قانونيًا أو دستوريًا لتقسيم الأقاليم أو حق تقرير المصير أو دمج المناطق. 

ولتسهيل فهم أبعاد الفكرة، لو استند المجلس الانتقالي الجنوبي - رغم أنه جزء من الشرعية اليمنية المعتمدة داخليًا وإقليميًا ودوليًا بموجب الدستور والعمل داخل إطاره - واستند على دعم إقليمي وحتى دولي، وأعلن الانفصال كونه يسيطر على عدن، فإنه بذلك يستند إلى نص ضعيف قانونيًا ولن تختلف النهاية كما حصل في كردستان حيث تستطيع الشرعية الاستناد إلى نصوص القانون الدولي والى دستور الجمهورية اليمنية، والتي تحمي وحدة أراضي الدولة، وهي نصوص فاصلة وحاكمة وأقوى بكثير ولا لبس فيها. ولذا الموضوع هنا منتهي قبل ان يبدأ حتى. 

حيث لا يوجد حق قانوني للانفصال بموجب القانون الدولي ما لم يتفق الطرفان عليه، ويحدد هذا الاتفاق التشريعات الدستورية للدولة المعنية، 

وفي حالتنا اليمنية، لا يوجد فقرة من نص دستوري يسمح بذلك، حتى لو أيدت بعض الجهات الإقليمية الانفصال، فلن يتغير شيء، وسيظل البلد غارقًا في الحرب والصراعات والأزمات والنهاية محسومة انه لن يحصل انفصال. 

احدهم سوف يقول طيب سهل ندمر الشرعية ونعلن الانفصال؟ 

وهذا الطرح ايضا غير منطقي، فامام القانون الدولي إن انتهت الشرعية القائمة اليوم، فإن الجهة التي ستُعتبر وريثة للدولة الوطنية هي الجماعة الانقلابية في صنعاء حسب  التصنيف الدولي، تمامًا كما ورثت صربيا جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية سابقًا. 

وبالتالي، لا مصلحة للمملكة أو الإمارات في إنهاء الشرعية وفتح المجال للانفصال، لأنه يعني اعترافًا بأن سلطة صنعاء هم الممثل الوحيد او الوريث للدولة اليمنية، وهذا سيكون له تبعات قانونية دولية. 

أما إذا تم التوافق على تعديل دستوري واستفتاء شعبي حر، فلا مشكلة، كما حدث في عام 1992 عندما انفصلت التشيك عن السلوفاك بطريقة سلمية ومتفق عليها. 

وفي حالة الاستقلال من تحت الاستعمار، يكون الحق في تقرير المصير واضحًا، لأنه مبدأ أساسي لدى الأمم المتحدة، وقد تم تطبيقه في دول العالم الثالث سابقاً، حتى لو رفض الاستعمار ذلك. 

أما في الحالة اليمنية، فلا يمكن لقادة الانفصال الاعتماد على هذا المبدأ، وهم يعلمون ذلك، وقد تكون الإمارات قد شرحت لهم ذلك جيدًا. 

وأزيدكم من الشعر بيتًا إن حق تقرير المصير يشترط أن يكون الشعب قادرًا على اتخاذه بنفسه، ولا يكون ذلك في زمن الحرب، بل بعد مرحلة انتقالية مستقرة. 

كما أن مصطلح "شعب" في القانون الدولي يعني كل الشعب في الدولة الوطنية، وبالتالي فإن الشعب الجنوبي ليس شعبًا منفصلًا، بل هو جزء من الشعب اليمني الموحّد. 

وحتى لو كان للجنوب هوية أو دين أو لغة مختلفة، فالقانون الدولي لا يعترف بذلك كسبب لانفصال جزء من الدولة. 

ولتسهيل الفكرة أكثر، وقد فصلتها من قبل، لو قررت أي ولاية ألمانية الانفصال عن جمهورية ألمانيا الاتحادية، فإنها لن تستطيع فعل ذلك، برغم أن الولايات الألمانية الـ16 لديها حكومات وتشريعات مستقلة، لأن القانون الدولي لا يعتبرها شعبًا منفصلًا، بل جزءًا من الشعب الألماني. 

وأخيرًا، قد يقول أحدهم: "تحدثت عن كردستان وكان معهم دولة ونصف، وفشلوا، فهل يمكنك التوضيح؟" 

نعم، كان لدى كردستان "دولة ونصف" واقصد أنه كان  لديهم شبه كيان دولة مستقلة بكل مؤسساتها، حكومة، برلمان، دستور، مكاتب تنسيقية في الخارج، صفقات نفطية، واقتصاد قوي، وبنية تحتية متقدمة، وتحكم في المنافذ الحدودية، وحتى علاقات سياسية وعسكرية مع دول كبرى مثل أمريكا وإسرائيل ومعهم نصف دولة في بغداد شراكة في المركز. 

ومع ذلك، عندما قرروا تنظيم استفتاء انفصالي أحادي الجانب، رغم ضعف الدولة العراقية آنذاك، واجهوا رفضًا دوليًا ومحليًا كبيرًا. رفضت الحكومة العراقية الاستفتاء استنادًا إلى الدستور العراقي، وأظهرت موقفًا حازمًا، بدءًا برفض الحوار المباشر، ثم التصعيد العسكري، الذي أجبر حكومة كردستان على تسليم المطارات والمعابر النفطية ومحافظة كركوك وغيرها. 

وانتهى الأمر بأن عادت الأمور إلى المادة 140 من الدستور العراقي، التي تؤكد على وحدة الأراضي العراقية، وهو ما يعني انتصار الدستور والوحدة على الانفصال. 

وهكذا سيكون الحال في اليمن، إن الدستور اليمني هو المرجع، ولو وقف العالم بأكمله ضد اليمن ومع الانفصال، فلن يُغيّر ذلك شيئًا. 

لا تغرنكم أصوات الذباب الإلكتروني أو خطاب الباطل. فالانفصال له إجراءات لا يمكن القفز فوقها، ولا يجوز وضع العربة قبل الحصان.

 فلا يخدعنكم من يقول: "كنا دولة وسنفك الارتباط"، فهذا كلام مضحك، لأن الدستور الحالي لا يعطي أي طرف حق فك الارتباط. الدولة الشمالية والجنوبية انتهتا منذ ثلاثة عقود، وتم استفتاء الشعب على دستور جديد ثابت في معظم مواده.

في النهاية، ماذا تحتاج اليمن من وجهة نظرك، إذا كانت المشاريع القائمة لم تفعل سوى تأزيم الوضع، وجعلت كل منطقة مع زعيم، وكل "منطقة" تنازع الأخرى، ونحن جميعًا شقاة باليومية نؤذي بعضنا البعض؟

 والإجابة: صحيح أن اليمن مشتتة، وهنا أطراف خارجية تتنازعه، واليمنيون أنفسهم قسموا أنفسهم إلى شقاة باليومية مع الخارج ، لكنني واثق أن اليمن ستنجو وأنها بحاجة إلى شخصية يمنية تشبه "أرطغرل عند الأتراك"، الذي لم يكن حاكمًا ولا سلطانًا، بل كان رجلًا مؤمنًا بإمكانية بناء أمة عظيمة من الشتات والتمزق.

 فمن بين خيم لا يتجاوز عددها 400 خيمة، وفي ظل وجود المرتزقة والجواسيس بينها، حيث كان كل من حوله ينظر إلى نفسه زعيمًا على عدد محدود من الخيم، ولدَت فكرة ورؤية ومشروع عند رجل واحد فقط. رجل لم يبحث عن الزعامة، بل رأى أن هناك إمبراطوريات تنهش فيهم، وأنهم مجرد صفر أمامها رغم كثرة المرتزقة منهم. 

ومن داخل تلك الخيام، انطلق هو ثم ابنه، ليبدأ عصر توحيد الأمة التركية، وانتزاعها من براثن التتار والبيزنطيين، وبناء أمة تنزع من داخلها ثقافة الاستجداء والانحناء للآخرين. 

وفي أقل من ثلاثة عقود، تحولت 400 خيمة إلى إمبراطورية تمتد على ثلاثة بحار وثلاث قارات، ينحني لها الجوار، واستمرت 620 عامًا. 

ونحن في اليمن، إن بدأنا اليوم بالفكرة، ثم الرؤية، ثم المشروع الذي يتمدد، فذلك أهم من الانتظار لمشاريع لن تصنع كرامة، ولا إنسانًا يمنيًا متزنًا، ولا بلدًا حقيقيًا. 

والآن، كلمة أخيرة أود قولها لابنائي وبناتي، إن شاء الله أن نتعلم جميعًا من المعاناة، التي وصلت إلى كل بيت. فتجارب الشعوب من الصراعات هنا تعكس واقعًا وقتها كان يُعتبر مستحيلاً – ومثال عودة ألمانيا موحدة حيث ورثوا دمار وارض ممزقة  واستعمار في ارضهم ، ومع ذلك قالوا، سنواجه مشاكلنا ببحور من الصبر لا تنفذ، وليس بمزيد من التمزق.

 قالوا، نحن الشعب، الذي يولد من جديد من رحم المعاناة، لا ننظر إلى الماضي، بل إلى المستقبل. 

تم توحيد ألمانيا في نفس العام الذي اكتملت فيه خارطة اليمن، ورسمت هنا  للأجيال القادمة صورة تحمل رسالة إن الوحدة الألمانية كانت صعبة للغاية، خاصة تحت هيمنة المنتصر وإصراره على استمرار الانقسام ومصادرة مستقبل الشعب. 

وكان إعادة الوحدة للألمان  كالحفر في الصخر بمنقار عصفور، عبر التعليم والعمل والصبر والمثابرة. 

انتهت قصة تشرذم ألمانيا بفضل قناعة الألمان بأنهم أمة واحدة ذات إرادة وقدر محتوم لا يستطيع أحد أن ينتزعه منهم. اليوم، ينظرون إلى بلادهم باعتزاز، ويؤكدون أن ألمانيا ستبقى قوية بأبنائها. هم قالوا إنهم أمة، ولابد أن يكون لهم المكانة العالية في الحضارة ويعملوا لذلك. ونحن في اليمن أيضًا يجب أن نطمح مثلهم ونعالج كوارث ماحصل أو اقلها نتجه في الاتجاه الصحيح، لا أن نظل بين الأقدام وشقاة باليومية في ارضنا عند الغير ودون توجه إلا إلى القعر أكثر.