Logo

خطاب الاستعلاء لا يصنع نصراً قراءة في الفشل الإسرائيلي في اليمن

 يحاول عبد الرحمن الراشد في مقاله عن الفارق بين الأداء الإسرائيلي في لبنان واليمن أن يختزل التعقيد البنيوي للمشهد اليمني في ثنائية نجاح وفشل عسكري من منظور القوة الغاشمة..

 متناسياً أن السياقين مختلفان تماماً من حيث الطبيعة الجغرافية والبنية السكانية وشبكة العلاقات الإقليمية والداخلية..

 فلا يمكن مقارنة حرب لبنان التي تدور ضمن منظومة سياسية واضحة المعالم بحرب اليمن التي تعاني من انهيار الدولة وتعدد الفاعلين وتداخل أجندات محلية ودولية متضاربة..

الحديث عن أن العمليات الإسرائيلية ضد الحوثيين في اليمن استعراضية ولا تملك بنك أهداف يفتقر إلى المنطق الاستخباراتي إسرائيل التي ترتبط بأجهزة استخبارات متعددة أبرزها الأمريكية والبريطانية والإماراتية لا تعاني من نقص في المعلومات بقدر ما تفتقر إلى غطاء سياسي وأخلاقي يسمح لها بالانخراط في معركة مفتوحة داخل اليمن.

 وهي بذلك تكتفي بعمليات انتقائية تحقق لها أهداف الردع دون التورط في مستنقع مكلف ومعقد..

مقارنة الحوثيين بحزب الله اللبناني على مستوى التسليح والتنظيم والمكانة السياسية تعكس فهماً سطحياً لطبيعة الجماعتين فحزب الله جزء من الدولة اللبنانية ويمتلك حضوراً نيابياً وشعبياً.. 

بينما الحوثيون جماعة نشأت من حركة احتجاج مسلحة وتحولت بفعل الحرب إلى سلطة أمر واقع لكن ذلك لا ينفي أن الجماعة طورت قدرات قتالية وهجومية أزعجت إسرائيل وأجبرتها على التعامل معها كتهديد وليس كظاهرة صوتية عابرة.

التوصيف الطائفي للحوثيين بأنهم أقلية لا تتجاوز سبعة في المئة من السكان يروّج لخطاب إقصائي يعمّق الشرخ الوطني اليمني ويغذي الكراهية في وقت يحتاج فيه اليمن إلى خطاب جامع يتجاوز الاصطفافات المذهبية والمناطقية. 

فالقوة لا تُقاس بنسبة السكان بل بمدى التماسك الداخلي والتحالفات المحلية والإقليمية وقدرة الجماعة على الصمود والتحرك ضمن بيئة معقدة ومتقلبة..

يتعامل الكاتب مع قصف المرافق المدنية في اليمن من قبل إسرائيل كأمر اعتيادي بل يبرره بغياب بنك الأهداف متجاهلاً أن هذه الضربات تمثل خرقاً للسيادة اليمنية وعدواناً سافراً على أرض لا تربطها بإسرائيل حالة حرب معلنة..

 وهو أمر يهدد بتدويل الأزمة اليمنية ويعكس منطق القوة الذي لا يقيم وزناً للقانون الدولي ولا لكرامة الشعوب ويحوّل البلاد إلى ساحة صراع بالوكالة تحت غطاء ضرب الحوثيين.

وأخيراً فإن توصيف الحوثيين بأنهم كائنات من كهوف القرون الوسطى أو فراشات ليلية تنجذب للنار يحمل نزعة استعلائية واستشراقية تتجاهل حقيقة أن الجماعة رغم تحفظات كثيرة عليها استطاعت فرض نفسها كطرف فاعل في معادلة القوة الإقليمية.

 وهي الآن تتفاوض وتقاتل وتناور وتدير مؤسسات وسلطات محلية ما يتطلب فهماً عقلانياً لا نظرة تنميطية تختزل الخصم في صورة بدائية تناسب الرواية الدعائية أكثر مما تخدم التحليل السياسي الموضوعي..

* سفير بوزارة الخارجية