Logo

الهاشميون في اليمن من الشراكة الوطنية إلى الاستهداف الممنهج

 تاريخ الهاشميين في اليمن طويل ومتشعب  وقد انخرطوا في النسيج الاجتماعي والسياسي والديني للبلاد على مر العصور ورغم تصاعد الخطاب الإقصائي في السنوات الأخيرة لا يمكن اختزال وجودهم في أطر مذهبية أو سلالية ضيقة..

 بل يجب النظر إليهم ضمن السياق الجغرافي والقبلي والسياسي المتنوع الذي اتسم به اليمن عبر تاريخه..

 تعود جذورهم إلى بدايات الإسلام حين استقر بعض أحفاد علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء في اليمن لا سيما في صعدة وصنعاء وإب وتعز وتهامة حيث ساهموا في نشر العلم والعدل بين القبائل.

 وبرز منهم قضاة وعلماء ودعاة كما ارتبط بعضهم بالحركات المذهبية مثل الزيدية فيما اندمج آخرون في مجتمعاتهم دون انخراط في أي مشروع سياسي .

ومع الوقت صار الهاشميون جزءًا لا يتجزأ من البنية المجتمعية اليمنية لا يتميزون عنها لا عرقيًا ولا سلاليًا بل ينتسبون لانتماءات مناطقية وقبلية واضحة كما أشار الدكتور محمد عبد الملك المتوكل حين قال إن القبيلة في اليمن عصبية جغرافية لا سلالية وهي مقولة تفسر اندماج الهاشميين في محيطهم إذ أن الهاشمي من تعز هو تعزي ومن يافع يافعي ومن مأرب ماربي.. 

على خلاف الصورة الشائعة التي تصورهم كطائفة منعزلة فإن الهاشميين انخرطوا في الحياة القبلية والسياسية بشكل فاعل فانتسبوا إلى قبائل كبيرة وشاركوا في بناء الدولة اليمنية وانخرطوا في الأحزاب والحركات الوطنية من المؤتمر الشعبي إلى الإصلاح والاشتراكي والبعث.

 وتولوا مناصب في النقابات والمجالس النيابية والحكومات ما يدحض القول بأنهم يشكلون كتلة سياسية أو مذهبية واحدة ويكشف عن تنوع مواقفهم وتوجهاتهم في السياق السياسي اليمني .

ولعب بعضهم أدوارًا مؤثرة لكن الحكم لم يكن حكرًا عليهم كما أن فترات حكم الأئمة لم تكن مستقرة وشهدت تحديات مناطقية وقبلية ومذهبية إلى أن انتهى الحكم الإمامي بقيام الجمهورية في 1962.. 

ومنذ ذلك الحين لم يحصل الهاشميون على امتيازات رسمية بل تعرضوا مثل غيرهم للإقصاء والتهميش خصوصًا في فترات الأزمات السياسية والاقتصادية.

يتبين من كل ما سبق أن الهاشميين ليسوا جماعة مغلقة ولا يحملون مشروعًا موحدًا بل هم مكون يمني أصيل ينتشر في مختلف المحافظات ويساهم في الحياة العامة. 

والاختزال الذي يتعرضون له اليوم بربطهم تلقائيًا بجماعة الحوثيين أو بحكم الإمامة ما هو إلا خطاب إقصائي يعكس أزمة أعمق في بنية الدولة اليمنية لا في طبيعة هذا المكون نفسه. 

وفي هذا السياق يُعد الخطاب التحريضي ضد الهاشميين مظهرًا واضحًا لتدهور الوعي السياسي والثقافي في اليمن خصوصًا مع تصاعد الأزمة منذ 2014 حيث أصبح كثير من الفاعلين السياسيين والإعلاميين يعيدون إنتاج صورة نمطية تساوي بين كل الهاشميين وجماعة الحوثيين في محاولة لبناء عدو مصطنع يبرر الإقصاء ويؤجج الانقسام ..

وتقوم أدوات هذا الخطاب على دمج الحقائق بالأكاذيب وتضخيم الحدث والعاطفة واستخدام الشتم المباشر وكلها وسائل تستند إلى الوقائع ولكنها تعمّمها بشكل تعسفي ومفهوم  العدو المصطنع ليس غريبًا عن تاريخ السياسة. 

فقد استُخدم لتبرير الاستبداد في حالات كثيرة مثل النازية التي حملت اليهود مسؤولية تدهور ألمانيا أو الصهيونية التي شيطنت العرب أو بعض الأنظمة القومية التي وظفت فكرة الخطر الرجعي لقمع الخصوم.

 أما في اليمن فقد انتقل هذا الخطاب من المجال السياسي إلى الاجتماعي وتم تصوير الهاشمي كخطر على الجمهورية ما يفضح خللًا في فهم العدو الحقيقي ويحوّل فئة اجتماعية كاملة إلى هدف مشروع للإقصاء والكراهية.

والأهداف غير المعلنة لهذا الخطاب عديدة منها صرف الانتباه عن الفشل السياسي والاقتصادي عبر تحميل الهاشميين مسؤولية الأزمات وتحشيد الرأي العام عبر فكرة الخطر المشترك ثم ضمان استمرار نفوذ شبكات مصالح لا ترغب في أي عدالة أو مواطنة متساوية. 

وقد كانت للخطاب الإقصائي انعكاسات خطيرة أبرزها الانقسام المجتمعي وتشويه سمعة شخصيات وطنية واستبعاد الكفاءات. 

فضلاً عن إشاعة ثقافة التخوين داخل مؤسسات الدولة والأحزاب في حين أن كثيرًا من الهاشميين تعرّضوا للاضطهاد من قبل الحوثيين أنفسهم بسبب مواقفهم المعارضة إن هذا الخطاب لا يهدد الهاشميين فقط بل يمزق النسيج الاجتماعي اليمني بأكمله ويعرقل بناء دولة المواطنة المتساوية المطلوب اليوم هو مشروع وطني جامع يرفض الكراهية ويعيد الاعتبار للكرامة الإنسانية

وفي ظل التباس العلاقة بين الهاشميين كهوية اجتماعية وجماعة الحوثيين كقوة سياسية وعسكرية من المهم التمييز المفاهيمي بينهما فبينما الهاشميون فئة واسعة منتشرة في مختلف المحافظات وتعمل في مجالات متعددة فإن الحوثيين جماعة سياسية مسلحة نشأت من حركة الشباب المؤمن في صعدة وقيادتهم تنتمي إلى أسرة هاشمية إلا أن عناصرهم ينتمون إلى قبائل متعددة. 

وهذا يعني أن التداخل النسبي لا يعني التوافق السياسي كما أن بعض الهاشميين عارضوا الحوثيين وتعرضوا للتصفية أو النفي أو الإقصاء بينما هناك غير هاشميين يتولون مواقع قيادية في الجماعة ..

والتعميم في هذا السياق أدى إلى ظلم جماعي وإقصاء كفاءات وتعميق الانقسام الطائفي والمناطقي بحيث تكرر الإقصاء ولكن هذه المرة باسم الجمهورية لا الإمامة..

وتتضح المفارقة حين نرى خصوم الحوثيين يمارسون الإقصاء نفسه ولكن في الاتجاه المعاكس كما أن شهادات كثيرة تشير إلى وجود هاشميين في صفوف المقاومة أو في الخارج ممن عانوا من تصنيفهم المسبق كحوثيين رغم مواقفهم المناهضة للجماعة ..

وهذا يبرز الحاجة إلى قراءة عقلانية تفصل بين النسب والانتماء السياسي وتعيد الاعتبار لمعيار المواطنة في الانتماء والمساءلة وما لم يُفهم هذا التمايز ستبقى الكراهية أداة لتمزيق المجتمع وسيظل السلام غائبًا..

 الخطاب الكاره لا يعكس فقط فشلًا في فهم الهوية اليمنية بل يُستخدم أيضًا كأداة لتكريس الامتيازات وتبرير الإقصاء ويُعد من أبرز أدوات قمع العدالة الاجتماعية في اليمن.

ففي سياقات الفوضى وانهيار الدولة يلجأ الفاعلون السياسيون إلى تبني خطاب كراهية لحشد الجمهور ضد خصومهم مستغلين الهويات الفرعية لإقصاء فئات كاملة وتجريدها من حقوقها.. 

وهذا الخطاب له وظائف عديدة من التحشيد السياسي إلى تشتيت الانتباه وتقويض العدالة وإعادة إنتاج الامتيازات في الحالة اليمنية وُجّه الخطاب ضد الهاشميين باعتبارهم  خطرًا دائمًا و أنصار الإمامة وتم استخدام الإعلام ومنصات التواصل لهذا الغرض كما استخدمه سياسيون ونشطاء للتقرب من مموليهم فأصبح هذا الخطاب وسيلة لإقصاء شريحة اجتماعية كاملة لا مجرد أداة لمواجهة خصم سياسي.

الآثار كانت عميقة حيث انكسر النسيج الوطني وزُرعت مشاعر الخوف والعزلة ونشأ عنف مضاد وتراجعت فكرة الدولة المدنية. 

بل إن هذا الخطاب استخدم كغطاء للفساد لتبرير الفشل وإقصاء الكفاءات وصرف الأنظار عن قضايا جوهرية وهكذا، تحوّل خطاب الكراهية من وسيلة تحريض إلى نظام كامل لإدامة الفوضى والإبقاء على الامتيازات القائمة. 

وهو ما يُعد أحد أبرز معوقات العدالة الاجتماعية وبناء الدولة الحديثة في اليمن.

وفي الختام نصيحتي لكل من يسعى إلى بناء يمنٍ آمن ومستقر أن يتحرّر من عقلية الإقصاء والارتياب تجاه المكونات الاجتماعية المختلفة وعلى رأسها الهاشميون.

 فالوطن لا يُبنى بالاتهامات الجمعية ولا بتأجيج الكراهية بل بالحوار والتفاهم والاعتراف المتبادل إن فتح القلوب قبل فتح الملفات هو السبيل الحقيقي نحو مصالحة وطنية عادلة وشاملة تُعيد لكل فرد مكانته كمواطن وتُعلِي من شأن الانتماء الوطني فوق كل الولاءات الضيقة ...

* سفير بوزارة الخارجية