Logo

الإصلاح والحوثيون: بين التناقضات البنيوية وهمزات الوصل الخفية

 طبعا في المشهد السياسي اليمني المريب، يبرز حزب التجمع اليمني للإصلاح كأحد الفاعلين الرئيسيين في الساحة، مع كونه حزبا إسلاميا سنيا وجمهوري التوجه. 
وبالمقابل، تقف جماعة الحوثيين باعتبارها حركة مسلحة ذات أيديولوجيا شيعية زيدية، ترتكز على مبدأ "الولاية" الذي يمنح الأفضلية السياسية والدينية للهاشميين، في ما يشبه إعادة إنتاج نظام الإمامة بثوب حديث. 
هذه التناقضات الظاهرة لم تمنع امين عام حزب التجمع اليمني للإصلاح بالقول في لقاء تلفزيوني عن وجود "همزات وصل" غير معلنة بين الطرفين، برغم الصراع الدموي الواضح بينهما.
واللافت للنظر أن الاتهامات بوجود تواصل غير مباشر بين الإصلاح والحوثيين غالبا ما تصدر في سياقات سياسية معينة، إما لتبرير الفشل، أو لتصفية الحسابات، أو لتلميع مواقف قوى أخرى، وكأن هذا "الوصل" المفترض شماعة تعلق عليها التناقضات البنيوية داخل الأطراف اليمنية نفسها.!
لكن إذا أردنا تحليل الفرضية من منطق واقعي، فسنجد أن الصدام بين الحوثيين  والإصلاح لم يكن سطحيا أو تكتيكيا، بل وصل إلى مستويات وجودية، خاصة بعد سيطرة الحوثيين  على صنعاء، وما تبعها من مداهمات واعتقالات ومصادرات طالت مقار الحزب وقياداته.
 إلا أن هذا لا يعني أن الإصلاح نجا من "الاختراقات" الداخلية، خاصة من حيث التركيبة الاجتماعية للحزب، والتي تشمل شرائح من الهاشميين، منهم شخصيات قيادية مثل زيد الشامي.
والشاهد أن وجود الهاشميين في الإصلاح أو في المؤتمر الشعبي أو حتى في قوى يسارية لم يكن غريبا في السياق اليمني، إذ شكل الانتماء الأسري امتدادا طبيعيا في كل بنية سياسية. 
غير أن هذا الوجود لم يكن دوما أداة نفوذ حوثي، بل غالبا ما كان نتاج توازنات تاريخية داخل المجتمع اليمني، الذي يتعامل مع الانتماء العائلي كمحدد أساسي للشرعية السياسية والاجتماعية.!
لكن حين يُطرح السؤال عن العلاقة بين شخصيات "إصلاحية" و"حوثية"، يكون من المهم التمييز بين العلاقات الشخصية والمواقف السياسية. 
فليس كل إصلاحي هاشمي هو بالضرورة بوابة لاختراق حوثي، كما أن وجود مشاعر احترام أو تواصل شخصي لا يعني بالضرورة وجود تنسيق سياسي.
 وفي هذا السياق، فإن الحدة التي أبداها البعض تجاه مبعوثين أمميين مثل جمال بنعمر، والتي كانت نابعة من استشراف مبكر لانفجار الوضع، تعكس شعورا داخليا متوترا لدى بعض الإصلاحيين تجاه المهادنة مع الحوثيين.
ولعل اللحظة التي تحدث فيها امين عام حزب التجمع اليمني للإصلاح الاستاذ محمد اليدومي عن "همزة الوصل" كانت أكثر من مجرد زلة لسان.
او لربما كانت إشارة لخلل أعمق، أو اعترافا ضمنيا بعدم قدرة الحزب على التحكم الكامل بتعدد الأصوات داخله، أو محاولة لخلق نافذة تفاهم سياسي في مرحلة انهار فيها كل شيء.!
ثم إن اليمن بلد لا تحكمه المعادلات البسيطة. 
الإصلاح ليس كتلة صلبة، ولا الحوثيون يختزلون في أيدولوجيا واحدة.
و بين المهادنة والمواجهة، بين العائلة والحزب، بين الدين والسياسة، تنشأ خيوط غامضة، لا يمكن تفكيكها إلا بفهم عميق للتاريخ الاجتماعي والقبلي والمذهبي لليمن.!
على إن المطلوب ليس فقط أن نكشف "من يتصل بمن"، بل أن نعيد التفكير في سؤال أهم:
 لماذا تُخترق الأحزاب من الداخل؟
 ولماذا تتغلب الروابط الاجتماعية على الالتزامات الحزبية في اليمن؟ 
إجابة هذا السؤال هي مدخلنا الحقيقي لفهم ما بعد الحرب، وليس مجرد سرد للمواقف والمفارقات.!
وبما ان القيادي الرفيع في حزب التجمع اليمني للإصلاح الاستاذ زيد الشامي جمعتنا لحظات في حضرة المبعوث الأممي الاول إلى اليمن جمال بنعمر.
فإننا في ذاك اليوم، كنا في لقاء رسمي معه .
وفيما الجو كان مشحونا بقلق غير معلن، وخطابات مدهونة بعبارات السلام المصطنعة.
 لكني كنت طفشانا، غاضبا، بل حانقا من هذا الرجل الذي بدا أنه يُدير الأزمة اليمنية لا لحلها، بل لتطويعها ضمن هندسة دولية أكبر من دماء اليمنيين وآلامهم.!
تكلم بنعمر، بلغة دبلوماسية باردة، عن "فرص الحوار"، و"ضرورة احتواء التوتر"، و"الحرص على الجميع"، كما لو أن البلاد لم تكن على شفا هاوية، وكأن المليشيا التي كانت تتوسع لم تكن تجهز للانقضاض على الدولة.
ثم حين جاء دوري في التعقيب، كنت صريحا حد الحدة، لا مجاملات ولا مواربة.
 قلت له: ما تفعله، بتجريدك الصراع من جوهره، سيقودنا إلى حرب أهلية، وتشظيات، وتجريفات. 
فاليمن ليس تجربة اجتماعية تدار من مقاعد نيويورك، بل وطن حي، يتألم. 
لم يعجبه كلامي. 
التفت نحوي زيد الشامي، ولم ينطق. 
كان يسمع فقط، كعادته، كإصلاحي قديم "يحسب لها حسبان".
بعد اللقاء، اقترب مني  جمال بنعمر وقال بهدوء: "كنت أريدك ضمن اللجنة الفنية التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، لكن حدة طرحك جعلتني أتراجع".
و لم أطلب تفسيرا. 
اكتفيت بكلمة واحدة: "طُز".. غادرت المكان دون أن ألتفت.
وهنا المشهد في الصورة يوثق لحظة موت الوهم… وولادة الغضب.
وكما يوثق المشهد لحظة الغضب، فهو أيضا يختزن قلقا عميقا داخلي من القادم، يوم كانت مؤشرات الانقلاب الحوثي تتصاعد أمام أعين الجميع، بينما العجز الإقليمي والصمت الدولي كانا يمنحان المليشيا فرصة ذهبية للتمدد باسم "الحوار".!