Logo

توازن السلطات في زمن الغياب البرلماني

 في خضم الجدل المتصاعد حول الصلاحيات الدستورية ومشروعية الإجراءات التنفيذية التي يتخذها مجلس القيادة الرئاسي برزت مواقف تنتقد ما اعتُبر تجاوزا لوظائف مجلس النواب التشريعية والرقابية كان أبرزها تصريح النائب علي عشال الذي حمل المجلس الرئاسي مسؤولية خرق الدستور وتجاوز إعلان نقل السلطة 

ورغم وجاهة النقاش من حيث المبدأ إلا أن مناقشة هذه المسائل الدستورية يجب أن تُبنى على قاعدة التوازن والموضوعية لا الانتقاء أو التنصل من المسؤولية الجماعية ..

فالسؤال المركزي الذي لا يمكن القفز عليه كيف نُحمّل مؤسسة تنفيذية وزر تجاوز الصلاحيات بينما المؤسسة التشريعية التي يُفترض أن تردع وتراقب وتشرّع غائبة مشلولة ومكتفية بإصدار بيانات لا تتجاوز صدى التصريحات ..

 وهل يصح الحديث عن مساس بصلاحيات مجلس لم يعد فاعلا ولا فاعلا فيه إن جوهر الأزمة يكمن لا في من يمارس السلطة فقط بل في من تخلى عن دوره الدستوري وترك فراغا واسعا أفسح المجال لاجتهادات فوقية وسياقات خارج نطاق المؤسسات ..

إن ما طرحه النائب علي عشال بشأن تجاوز مجلس القيادة الرئاسي لصلاحيات مجلس النواب قد يفتح النقاش لكنه لا يعفي المجلس من مسؤولية غيابه الكامل ..

 فالمجلس لم ينعقد بشكل منتظم ولم يصدر تشريعا منذ سنوات ولم يفعّل أدواته الرقابية  ..

ومع ذلك فإن أعضاءه يتمسكون بعضويتهم ويقاتلون من أجل استمرارها ويستفيدون من كامل الامتيازات المالية والسياسية دون تقديم ما يوازيها من التزامات وطنية بل إن بعضهم يتعامل مع عضويته كمكسب شخصي لا كأمانة تمثيلية في ظرف وطني بالغ الخطورة ..

 أما الحديث عن اعتداء على صلاحيات مؤسسة غائبة فهو أشبه بتوصيف فراغ يحاول أن يتهم غيره بشغله دون وجه حق في حين أنه هو من صنع هذا الفراغ وتركه يتسع ..

وفيما يتعلق بما ورد في مذكرة رئيس مجلس القضاء الأعلى حول تفويضه من قبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي لتعديل قانون الرسوم القضائية .. 

فإن هذا يمثل خللا إجرائيا لا شك لكنه نتيجة طبيعية لتعطل المؤسسة التشريعية وغياب آليات المراجعة الدستورية فحين يتغيب البرلمان عن القيام بوظيفته ويترك القوانين بلا مراجعة أو تعديل تتولد الحاجة لتدخلات فوقية ليست مبررة ..

 لكنها مفهومة ضمن منطق الضرورة السياسية ومع ذلك فإن هذا يظل ناقوس خطر يؤكد أن استمرار غياب البرلمان لا يعني فقط ضعف السلطة التشريعية بل فتح الباب أمام خلط الصلاحيات بين السلطات وتهديد هيكل الدولة من الداخل ..

أما الحديث عن دور رقابي لهيئة التشاور والمصالحة أو للمكونات السياسية فهو لا يستند إلى أساس دستوري واضح ولا تمنحه إياه وثيقة إعلان نقل السلطة التي حصرت دور الهيئة في المساندة السياسية .. 

وتوحيد الصف الوطني وليس في الرقابة أو التشريع ومع ذلك فإن هذا التوسع في التوصيف لا يقع فقط على عاتق السلطة التنفيذية ..
 
 بل أيضا على عاتق مجلس النواب الذي ترك المشهد فارغا وفتح المجال أمام قوى أخرى لتقديم نفسها كبدائل رقابية في ظل غياب الأصل وهو البرلمان الشرعي ..

إن إصلاح هذا الوضع يبدأ من داخل المؤسسة التشريعية لا من مهاجمة غيرها فمجلس النواب هو من منح الثقة لمجلس القيادة الرئاسي وهو من يملك سلطة مساءلته إن عاد إلى الانعقاد وقام بواجباته كاملة ..

 أما الاستمرار في إصدار بيانات تحذر من تجاوزات بينما يتغيب النواب عن مسؤولياتهم فلا يغير شيئا من المعادلة بل يكرّس الانطباع بأن المجلس صار مؤسسة شكلية فاقدة للحيوية الوطنية والشرعية الدستورية ..

 وإذا كان بعض أعضائه جادين فعلا في وقف التجاوزات فعليهم أن يبدؤوا بأنفسهم لا بمهاجمة غيرهم فالدفاع عن الدستور لا يكون بالتصريحات بل بالفعل البرلماني داخل قاعة المجلس لا على هوامش الإعلام والسياسة ..

* سفير بوزارة الخارجية