من التوافق إلى الإقصاء حين يتسلل الفساد والانتهازية إلى مشاريع السلام
بصفتي أحد الأعضاء المؤسسين لتيار التوافق من أجل السلام أجد نفسي اليوم مضطرا إلى كسر الصمت إزاء ما جرى مؤخرا من تحولات مؤسفة داخل هذا التيار الذي كان في الأصل مبادرة وطنية مستقلة هدفها تعزيز التفاهم بين اليمنيين وتحقيق السلام على قاعدة الشراكة والشفافية والانفتاح..
ما حدث بكل أسف لم يكن تطورا طبيعيا ولا خطوة تنظيمية ناضجة بل كان انقلابا داخليا متكاملا جرى دون تشاور أو تواصل مع معظم المؤسسين وتم تحت غطاء شعارات براقة تخفي وراءها أهدافا أبعد ما تكون عن المصلحة الوطنية أو إرادة التوافق..
في عشرين فبراير ألفين وخمسة وعشرين أعلن عن تأسيس ما سمي التيار الوطني للسلام باعتباره امتدادا وتطورا لتيار التوافق الوطني..
إلا أن هذا الإعلان لم يبن على مشاورات نزيهة أو حوارات داخلية بل مثل إقصاء متعمدا لمكونات أساسية داخل التيار وأنا أحدها ولم يبلغني أحد بهذه الخطوة ولم أستشر في مضمونها ولا في هيكلها رغم أنني كنت من أوائل من ساهموا في التأسيس والتفعيل..
الأخطر من ذلك أن ما يروج له التيار الجديد من لغة تطوير وتنظيم ما هو إلا ستار لتكريس نهج انتهازي جديد يرتدي لبوس العمل من أجل السلام بينما يتجه عمليا نحو تكوين شبكة مغلقة من الأفراد هدفها الحقيقي كما بات واضحا السعي وراء الدعم المالي وتنظيم السفرات الخارجية وإقامة ندوات وورش شكلية لا علاقة لها بجوهر العمل الوطني..
إنها الانتهازية في ثوب جديد تنطق بلغة الحقوق والعدالة والمواطنة لكنها تتحرك وفق أجندة شخصية وارتباطات خارجية تفتقر إلى النزاهة والتمثيل الحقيقي..
المتابع لهذا التحول سيجد أن التيار الجديد يركز منذ لحظة إعلانه على تحركات دولية في عواصم مثل واشنطن وأوتاوا وعمان والرياض ويحشد لعقد فعاليات خارجية بهدف بناء علاقات سياسية وتمويلية..
بينما يغيب كليا عن الداخل اليمني وعن الحوار مع قواه المجتمعية والمدنية فهو خطاب موجه للخارج أكثر من كونه مشروعا ينبع من الداخل وهو ما يفقده الصدقية ويجعله أداة سياسية أكثر منه مبادرة سلام حقيقية..
ومن اللافت أن الهيكل التنظيمي الذي أعلن عنه بكل ما يتضمنه من مجالس ومسارات تخصصية لم يكن نتيجة نقاش أو حاجة موضوعية داخل التيار بل كتب وأقر في غرف مغلقة بما يخدم مجموعة صغيرة اختارت الانفراد بالقرار وإقصاء من يخالفها أو يطالب بالشفافية..
إن ما نراه اليوم يجسد بوضوح امتدادا للفساد السياسي الذي ناضلنا ضده طويلا والذي طال حتى المبادرات التي رفعت باسم السلام والتوافق..
لقد باتت بعض هذه الكيانات تسعى لأن تكون واجهات جديدة للنفوذ والمصالح وليس منابر للضمير الوطني أو أدوات حقيقية لبناء الثقة بين اليمنيين..
إنني أعبر هنا ليس فقط عن احتجاجي على تغييب الشراكة والإرادة الجماعية بل عن حزني من انزلاق مشروع واعد إلى هذا المسار..
كنا نحلم بتجربة وطنية مستقلة فإذا بنا نشهد إعادة إنتاج للأنماط القديمة من الاستحواذ والتكسب والانتهازية ولكن بلغة أكثر نعومة وتغليفا..
السلام لا يبنى على الكذب ولا على تزييف الشراكات ولا على تمثيل زائف باسم أطراف لم تستشر ولم تشارك..
إن ما جرى لا يكرس السلام بل يكرس التزييف والتمويه السياسي باسم السلام ولن تكون هناك مصداقية لأي مشروع يقصي مؤسسيه ويستبدل الحوار بالتغليف الدعائي والشراكة بالولاء الضيق والعمل الميداني بالسفرات والمؤتمرات الفارغة..
وختاما إن ما يحتاجه اليمن ليس مبادرات جديدة بالشكل بل صدق في النية والممارسة وما لم يتم تصحيح هذا المسار والعودة إلى جوهر الفكرة التوافقية فإن ما سمي التيار الوطني للسلام قد لا يكون سوى نموذج آخر من المشاريع الشكلية التي تجهض السلام من الداخل..
* سفير بوزارة الخارجية