لماذا عجزت الشرعية عن تقديم نموذج مغاير لنموذج الحوثيين؟
نحن أمام سؤال جوهري ومعقد يتناول واحدة من أبرز الإخفاقات في التجربة اليمنية الحديثة، خصوصًا منذ اندلاع الحرب في 2015، هناك عدة أسباب متداخلة، سياسية، إدارية، اقتصادية، وأمنية تُفسر لماذا فشلت الحكومة الشرعية في تقديم نموذج حكم ناجح في المناطق التي تسيطر عليها، أهمها:
تفكك القرار السياسي، الارتهان للخارج، الخلافات الداخلية، غياب الكفاءة وغياب الأمن، فكونها لا تملك القرار السيادي المستقل ولا تملك جهازا إداريا نزيها ولا مشروعا واضحا لبناء دولة، جعلها تتحرك في سياق أزمة معقدة داخليا وخارجيا..
كل ما سبق أدى إلى تفكك القرار السياسي والارتهان للخارج، هناك جزء كبير من القرار السياسي للشرعية مرهون بتحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية، مما قيّد هامش حركتها، إضافة إلى الخلافات الداخلية، أوجد جهازًا إداريًا غيرنزيه وغير فعّال، وأفقدها إيجاد مشروع واضح لبناء الدولة، كل ذلك جعلها تتحرك في سياق أزمة معقدة داخليًا وخارجيًا، وتُدار غالبًا بمنطق رد الفعل وليس بمنطق المبادرة..
ولكي نتجاوز ذلك لابد من صياغة مشروعية جديدة مستندة إلى انتخابات 2012 ومرجعيات كالمبادرة الخليجية وقرار 2216،
فالمطلوب هو مشروع وطني جامع،يقدم رؤية لدولة مدنية عادلة، لا فقط “استعادة صنعاء”والذهاب نحو شراكة أوسع تشمل كافة القوى اليمنية، بما فيها الفاعلون الجدد على الأرض (مثل الانتقالي، الحوثي، والمكونات المحلية ضمن صيغة توافقية جديدة ومرحلة انتقالية مزمنة تنتهي بانتخابات برلمانية ورئاسية..
خلال الفترة الانتقالية يتم إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس نزيهة ولامركزية، لأن أحد أهم أسباب فشل الشرعية هو ترهل مؤسساتها، ولابد من اعتماد نظام لامركزي واقعي (فيدرالي أو إداري موسع) يوزع السلطة والثروة بشكل عادل، واستبدال المحاصصة الحزبية بالكفاءة، ومكافحة الفساد جذريا، بتفعيل الأجهزة الرقابية المستقلة والقوية..
ولابد من إعادة النظر في التحالفات بحيث تكون، تحالفات مشروطة وواضحة، فعلاقات اليمن بالخارج يجب أن تقوم على المصالح المشتركة وليس على الارتهان، يجب العمل على إعادة التموضع في المشهد الإقليمي وخلق توازن بين المصالح الخليجية، والعلاقات الدولية، ومصلحة اليمن..
الأهم من هذا وذاك هو دمج السلاح في مؤسسات الدولة، إذ لا يمكن قيام شرعية جديدة في ظل تعدد المليشيات، لابد من دمج التشكيلات المسلحة في جيش وطني موحد وضبط الأمن المحلي من خلال قوات شرطة محلية خاضعة لحكم مدني..
أي شرعية جديدة يجب أن تستند في النهاية إلى إرادة الشعب، فالخلاصة هي:
إن إعادة بناء الشرعية في اليمن لا تتم عبر التمديد أو تدوير الأشخاص، بل عبر عقد اجتماعي جديد يضمن الشراكة، العدالة، السيادة، والتنمية.
هذا المشروع يتطلب قيادة سياسية شجاعة، وهذه غير متوفرة في الوقت الراهن وتحتاج إلى ضغط شعبي واعي، وهذا لم يتوفر بعد أيضا..