من باريس إلى صعدة: كيف قادت خرافة “التفويض الإلهي” شعوبًا إلى الذل، وشعوبًا أخرى إلى النور
في أواخر القرن الثامن عشر، دوّى صوت الشعب الفرنسي في وجه الظلم، فأسقط العروش، وقطع رؤوس الملوك، وكتب صفحة جديدة في كتاب الإنسانية.
لم تكن الثورة الفرنسية مجرد تمرد على الضرائب أو الجوع، بل كانت انتفاضة كونية على فكرة أن "الملك يحكم بتفويض من السماء".
واليوم، بعد قرون من التنوير الذي فاض على العالم، يطل علينا من ظلمات كهوف صعدة، وبقايا عقليات القرون الوسطى، كائن معتوه، معاق فكريًا، ومافون يدعي أنه "مفوض من الله" لمجرد أنه ينحدر من نسل النبي محمد عليه الصلاة والسلام. يا للعجب!
وكأن نبينا المصطفى، خاتم الأنبياء وسيد البشرية، كان ملكًا يورث عرشه لا نبيًا يحمل رسالة!
هؤلاء الخفافيش، شذاذ الآفاق، لا يدركون أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أرسل بالهدى والنور، بالرحمة والعدل، ولم يكن ملكًا يطلب المُلك أو يسعى للسلطان. رسالته كانت دعوة للبشرية جمعاء، لا سُلطة سلالية تُحجَر على عصبة ضالة.
إنه يعيدنا إلى عصور الظلام والعبودية، حيث يُذل الإنسان باسم الدين، ويُقتل باسم الرحمة، ويُسرق باسم "الخُمس" لملء جيوبهم النتنة، في استخفاف لا يليق بتاريخ اليمن العظيم.
لقد كانت الثورة الفرنسية صرخة وعي ضد الفساد والاستبداد، حيث كان الملك يحكم بأمر السماء، ويُعتبر نقده أو معارضته كفرًا.
في تلك الأيام، كانت فرنسا تعاني من طبقية مقيتة، وفساد اقتصادي، وجوع خانق، بينما يعيش رجال الدين والنبلاء في بذخ لا حدود له.
لكن الشرارة التي فجّرت الثورة لم تكن فقط معاناة الجياع، بل كانت فكرًا جديدًا صاغه فلاسفة التنوير أمثال فولتير وروسو، فحمل الناس على أكتافه وهدّ عروش الملوك.
السبب الجوهري كان في زيف التفويض الإلهي، وفي الخرافة التي جعلت الملك ممثلًا للرب، والدولة امتدادًا للسماء، وكل من يعارضها عدوًا لله.
واليوم، في صعدة، يتكرر المشهد.
عبد الملك الحوثي لا يحكم باسم الشعب، ولا بموجب عقد اجتماعي، بل باسم "الولاية"، وبأنه من سلالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
هذا الادعاء لا يختلف عن أوهام لويس السادس عشر، ولا عن خرافات العصور الوسطى، حيث يُباع للناس وهمٌ مقدسٌ لتمرير القهر والقتل ونهب الأوطان.
يتجلى هذا الاستغلال في تفضيل أبناء السلالة في المناصب القيادية الحساسة بالدولة والجيش، وفي الترويج لـ "الخُمس" كضريبة دينية تُدفع لهم دون غيرهم، زاعمين أنهم وحدهم من يحق لهم جمعها والتحكم بها، في سلب وقح لأرزاق اليمنيين.
كما يظهر في الخطاب الإعلامي الرسمي الذي يربط أي معارضة لهم بـ "معاداة آل البيت" أو "محاربة الله"، مما يخلق حاجزًا دينيًا زائفًا يرهب الناس من انتقادهم أو المساءلة،
كأنهم بذلك يعتدون على عرض رسولنا الكريم ويدعون حق الولاية الإلهية ليكونوا امتدادًا لرسالة سيد البشرية! أي عُهر فكري هذا؟!
الفرق الوحيد هو أن الفرنسيين مزّقوا هذا الوهم، بينما في مجتمعاتنا ما زال يُصنّع في الكهوف العفنة، ويُعبَّد له في المساجد كأنه صنم، ويُعلّق على جدران الفقر كأنه نور، وهو في الحقيقة دخان يحرق الأوطان والنفوس.
الدين لم يُخلق ليكون مطية للسلالة. النبي محمد عليه الصلاة والسلام قالها صريحة واضحة:
"من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه."
لكن الحوثي، هذا المرتزق الفكري، يجعل من النسب وحده مفتاحًا للجنة، ومبررًا للجريمة، وتفويضًا للسلاح لقتل الأبرياء ونهب المستضعفين.
المشكلة ليست فيه وحده، بل في الجموع التي لا تميز بين الدين الإلهي الخالص ودين "مران" الملوث، بين سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام المشرقة ومسرحية السادة البائسة.
إنهم يقدّسون الخطابة الجوفاء ولا يقرؤون القرآن الكريم، يركعون لصرخة شيطانية، ويخافون من ظلّ عمامة صنعاء من رصاص.
وهنا يظهر الفرق الشاسع بين الإيمان الحقيقي، والإيمان المُستغَل سياسيًا لخدمة أجندات قذرة.
حين تصبح السلطة مرتبطة بالدين، فإن أي نقد لها يصبح "عدوانًا على الله"، وأي معارضة تتحول إلى "فتنة" تُشعل نار الجحيم، وأي صوت حر يُكفّر ويُرمى في غياهب السجون.
لذلك كانت العلمانية في الغرب ضرورة لتحرير الدين، لا محاربته. لقد وضعت حدودًا بين الإيمان والسلطة، وبين السماء والبرلمان، لتحمي الأديان من التسييس، ولتحمي الإنسان من أن يُجلد باسم الله زورًا وبهتانًا.
ما يفعله الحوثي اليوم باسم "الإسلام" لا يختلف عن محاكم التفتيش التي كانت تحرق الناس باسم "المسيح". لكنه أكثر خبثًا ومكرًا، لأنه يتقن فنّ التقيّة، ويستورد القداسة من قم ليبيعها لأتباعه، ويحوّل القرآن إلى وسيلة حرب وخراب، والسجود إلى خضوع مُهين للعبيد.
إنه دخيل على الإسلام، كما دخل الكهنة على الأديان الوثنية لتحويلها إلى أدوات قهر. وهو دخيل على العروبة كما دخل الفُرس إلى الجزيرة، بالخرافة والسمّ والنيابة المزيفة عن الله وعن رسوله.
هذا المعتوه ليس من آل بيت النبي، بل هو من آل الخراب، آل الفتن، آل النكبات. لقد دمروا اليمن، وقتلوا أبناءه، وشوهوا صورته، وتاجروا بدينه وكرامته.
وربط الإسلام بمثل هذا النموذج المشوّه والممسوخ هو ما يدفع كثيرًا من الشباب إلى الهرب من الدين، لا كفرًا، بل ضيقًا وغضبًا من هذه الصورة الوحشية والدموية التي تُقدَّم باسم النبي عليه الصلاة والسلام.
لكن الإسلام الحقيقي بريء منه كبراءة الذئب من دم يوسف.
الشعب اليمني: إيمان لا يعرف السلالة، وواقع يبحث عن الكرامة
نحن كشعب يمني، مسلمون بالفطرة أباً عن جد لأكثر من ألف عام. ديننا الإسلام هو جزء لا يتجزأ من هويتنا، ولم ولن نكن في حاجة إلى من يعلمنا الإسلام أو يُلزِمنا به بصرخات وتهديدات.
إيماننا عميق ومتجذر، وهو بريء من أي أوهام سلالية أو تفويض إلهي مزعوم للسلطة.
إن ما نبحث عنه ونستحقه هو سلطة توفر لنا الأمن والأمان، تُعيد بناء ما هُدم، وتُتيح فرص عمل كريمة لأبنائنا. نحن بحاجة إلى من يُعيد لنا الحياة، يوفر الماء والكهرباء، يُصلح الطرق، ويُبني المستشفيات والمدارس والجامعات ومراكز الأبحاث.
هذا هو الدور الحقيقي للسلطة التي تحترم شعبها وتعمل لأجله، لا أن تُصدر لنا الملازم والصرخات الفارغة، وتُقيدنا بالشعارات التي لا تليق إلا بالمعاتيه والبلاطجة الذين لا هم لهم إلا السيطرة والنهب والتدمير.
الثورة الفرنسية أنجبت حقوق الإنسان، وفصل السلطات، والحرية الفردية، وقطعت رأس الحكم الوراثي باسم الرب. ولم تبقَ في فرنسا، بل ألهمت البشرية من أمريكا إلى اليابان.
فلماذا لا نثور نحن على هذا الكابوس؟ لماذا نترك الدين في يد قاتل، ليجعله وثيقة ملكية للخراب؟ لماذا نسمح لهم أن يكتبوا قرآننا، ويفسّروه، ويستخدموه ضدنا، بينما نحن نقف خائفين، صامتين، خاشعين لعمامة مصنوعة من رصاص ومرصعة بالجهل والاستبداد؟
أهل اليمن…
افضحوا الخرافة قبل أن تنفجر في وجوهكم.
وانزعوا قدسية الحكم من أيدي السلاليين المتسلطين، قبل أن يصبح الوطن ضيعة تُورّث كما تُورَّث البقر والغنم.
قالها الشعب الفرنسي قديمًا:
"الرب في السماء... لا في قصر الملك."
فقولوا أنتم بأعلى صوتكم:
"الله في قلوبنا... لا في صرخة الحوثي المشؤومة!"