صالح والحوثيون والأربعون حرامي

من منا ينكر أن هناك حاله جمود سياسي وجبن شديد في انتقاد الظواهر السلبية  في الحياة السياسية  اليمنية وان المصالح الشخصية و الحزبية هي التي تحكم التعامل القائم بين مختلف المكونات السياسية  بما فيها منظمات المجتمع المدني  التي بقيت تتفرج علي إفراغ مفهوم الدولة المدنية  من مضامينه منذ عام تسعين وحتى اليوم ومن منا لا يتساءل كيف يتم تدوير حقائب الدولة  حتى اليوم   بالرغم أن الدولة اليوم هشة وموجودة في الخارج  على نفس الوجوه والنخب السياسية المعروفة  لاعتبارات تتعلق بالنفوذ  والمال والقرابة وأمور أخرى لا تتعلق بالوطن وهذه الإشكالية  حقيقة تحتاج الي  إجابات وتحليل لا تتسع هذه الزاوية لها والتي تمثل الدوائر المغلقة التي  تحكم الوطن  والتي تختزل الوطن فيها وفيما تقدمه للوطن  من منا  لا يعرف ذلك ومن منا ينكر ذلك ؟؟

اعتقد أن مشكلتنا الأساسية  تتمثل في جمودنا الفكري المتصلب وعدم احترام وجهات النظر المختلفة معنا مهما كانت سطحيه كما يمكن أن نراها وهذا ما حدث بالفعل وما لمسناه من سخرية ربما تحمل المرارة بسبب حشود السبعين في تاريخ 24 من أغسطس لعام 2017 والذي يمثل الذكرى الخامسة والثلاثون لتأسيس المؤتمر الشعبي العام   التي لا يمكن أن يستخف بزخمها الهائل مهما قلنا  عنها أو اختلفنا في مدى فاعليتها وجدواها ولن أخوض في تفاصيل ذلك الحشد ومن خلفه وما الهدف منه فلست مهتما بذلك ولا يهمني من هذا الحشد إلا دلالاته الواضحة من خلال تصرفات الحوثيين  وتجمعاتهم في مداخل صنعاء وضيقهم من خطابات  الرئيس السابق صالح  ثم دخولهم ميدان السبعين مدججين بالسلاح حتى أن الجميع من أنصار صالح غادروا بعد الاحتفالية مباشرة الي مدنهم وقراهم وكأن هناك اتفاق مسبق بين الطرفين على ضرورة مغادرة العاصمة صنعاء سريعا  ولا يدل ذلك إلا على توجس كبير من الإخوة الحوثيين من الرئيس السابق صالح(  بالرغم انه ومن خلال هذه السلوكيات التى مارسها الحوثيين نستطيع أن نلمح ضعف صالح وهيمنة تامة على صناعه القرار السياسي في صنعاءوما يمكن أن يدبره لهم وان الرجل ما زال يتمتع بنفوذ كبير على ارض الواقع ومصدر إزعاج كبير للجماعة التي سيطرت على الحكم في اليمن في غفلة من التاريخ والمفارقة العجيبة انه نفسه صالح الشخص الذي  سلمهم مقاليد الأمور في البلاد هو نفس الشخص الأخطر عليهم اليوم خصوصا وان المؤشرات الدالة على عدم القدرة على الحسم العسكري كثيرة وبينه ولا ادري هل يعود ذلك إلى  فشل الشرعية في ملف استرداد الدولة أو بسبب الظروف الشائكة المعقدة في المناطق التي تحكمها الشرعية نتيجة التدخلات الغير مسئولة من قبل البعض أو ضعف الارداة السياسية لدى النخبة الممثلة للقيادة الشرعية والتي كما أسلفنا سابقا يتم تدويرها ضمن كافة دوائر الدولة  وكأنه لم تنجب اليمن سوى هؤلاء الوجوه ( التي تمتلك النفوذ والمال وصلة القرابة)  والتي لم تقم بدورها كما يجب لا في المجال السياسي ( خصوصا في استثمار تدخل التحالف العربي من اجل الشرعية اليمنية بما يخدم المصالح الوطنيةولا في المجال العسكري ولا في المجال الاقتصادي ولا المجال الإعلامي الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى هذه النتيجة المتمثلة على ارض الواقع شئنا أم أبينا .

عودا على بدا يدفع الجمود الفكري المتصلب لدى النخب اليمنية عدم  استيعاب فكرة بقاء صالح حيا في المجال السياسي بالرغم من كل سلوكياته التي لا يتسع المجال لتعدادها وبنظرة فاحصة لما  أفرزته الحرب اليوم على الصعيد الوطني من ماسي وويلات وما يقدمه الإخوة الحوثيين من شعارات وأفكار موغلة في التطرف والانغلاق والتي تحمل طابعا طائفيا سلاليا  ابعد ما يكون عن الوطنية  وعنادهم الذي يجعلهم أشبه بالة هدم لا تعرف سوى الدمار ولا تؤمن  إلا بلغة السلاح كل هذه الأمور تجعلنا  نعيد النظر في تقييم الموقف  ولا عيب مطلقا في تغيير القناعات إن كان ذلك سيؤدي  الي استقرار الوطن ويخدم المصالح الوطنية العليا .

علينا أن ندرك أن الوطن ليس مدرسه تتنافس فيها الايدولجيات المختلفة ولا يمكن أن يبقي حلبة مصارعة يصفي فيها المتصارعون حساباتهمالوطن اكبر من كل الشخصيات والمكونات الحزبية والطائفية   ,, الوطن يتسع للجميع و هو الاستقرار والكرامة والانتماء  وغير ذلك لا يمكن أن يندرج  ضمن الاعتبارات الوطنية لا من قريب ولا بعيد .

 لذا لا أجد غضاضة اليوم من الدعوة الي ضرورة فتح قنوات التواصل مع الرئيس السابق صالح من قبل القيادة الشرعية بكافة أطيافها وتشجيعه للمضي قدما بفرط عقد الشراكة بينه وبين  الإخوة الحوثيين وعدم تركه وحيدا أمام هيمنه هذه الجماعة المتعطشة   للحكم والبحث في آليات  التنسيق المتاحة التي يمكن أن تفضي إلى استعادة الدولة من أيدي هؤلاء ومن ثم  عودة الاستقرار وإيقاف  هذه الحرب الدامية  وليس ذلك تفريطا في دماء الشهداء ولا استرخاصا لها بل من اجل نبل وعظمة  أهداف تلك التضحيات  والحرص على الوطن  من السقوط التام فما زال في الوقت متسع  ولا اعتقد أن أحدا اليوم ما زال يستسيغ هذه  الحرب حتى صالح نفسه ( على الرغم بان الكثيرين يرون في الرئيس السابق   صالح وأنا منهم السبب والعنوان الكبير  وراء كل هذا الدمار والخراب الذي عم الوطن  والبقية مجرد أحداث وتفاصيلوحتى  إن أدى ذلك الي تحقيق مكاسب سياسية لصالح و عائلته فهذا هو الواقع الذي يفرض نفسه وغير هذا هو التفتيت و التمزيق للوطن واستنزاف بقية مقدرات الوطن  .

وعموما من باب المعاملة  بالمثل فليأخذ صالح نصيبه من مائدة المناصب الوطنية إن كان ذلك سيؤدي في نهاية المطاف الي إيقاف نزيف الدم اليمني واستقرار الوطن والعودة به الي ركاب العالم المتحضر ( وليس صحيحا المقولة التي  تساوي بين الحليفين الرئيس السابق  صالح والحوثي وتقول( إن  لم يكن الحاكم الحوثي فسيكون  البديل  صالح  ) فهذا الرجل السبعيني لم يعد يمتلك الأدوات التي تعيده رئيسا على الوطن  لكنه يبقى رقما صعبا في الساحة السياسية اليمنية  بسبب عوامل كثيرة أهمها دهاء الرجل ونفوذه المكتسب عبر سنوات حكمه الطويلة بالإضافة إلى  ضعف  أداء خصومه السياسيين )  فلم يعد المواطن اليمني يحتمل العيش في ظل هذه الحرب المستعرة وبعد كل هذه السنوات منذ عام 2011 وحتى اليوم يتبادر الي الذهن هذا التساؤل تري هل لو امتلك احد هؤلاء  الذين يمارسون السلطة اليوم مكر ودهاء صالح  وكل ما يمتلكه من مهارات بهلوانية ورقص على رؤوس الثعابين وغيرها من المهارات  هل كانوا سيختلفون عنه؟؟ هل المشكلة في شخص هذا الرجل أم في سلوكياته التي ربما تكون الأنموذج المثالي لسلوكيات البقية من  رجال السلطة  اليمنية اليوم ( مع الفارق في المنصب والنفوذ طبعا )  سواءا في الداخل أو الخارج  إلا بعض الحالات الاستثنائية  التي شهدتها الساحة اليمنية ولاقت محبة واحتراما كبيرا من عموم الشارع البسيط قبل النخبة المثقفة اليمنية  وهكذا دائما إذا أحب الله شخصا زرع  محبة  الناس فيه    .

حقيقة لم يعد يستهويني قرائه كل تلك الجرأة والهجوم الشرس الذي يشن من راجمات المقالات أو السجالات   الفيسبوكيه  ضد الرئيس السابق صالح أو ضد القيادة الشرعية اليمنية وما تمثله من مكونات مختلفة فليس هذا هو المطلوب لكي نثبت صدق الولاء للوطن  أو لكي نعزز إيماننا بقناعتنا الوطنية التي نعتقدها   لكن ما نريده اليوم هو خطوه على ارض الواقع  لتجسير الفجوة  بين الرؤى الوطنية المختلفة  مهما تباينت للوصول الي حالة التعايش ومن ثم إيقاف الحرب  لنعيش حياه الاستقرار الوطني الذي  أصبح حلما يراود الجميع في الداخل والخارج بالرغم  من  لغة  السخرية والتهم والهجوم المتبادل  الذي ما يزال محتدما  بين جميع الأطراف السياسية  إلا اننى  لا اشك مطلقا  بان الجميع متفق على حب الوطن وعشق تراب هذا الوطن  ولعل هذا الحب هو الأمل الذي يمكن أن تستعاد من خلاله ثقافة التوافق  الاجتماعي ضمن إطار الوطن  التي كانت حاضرة  في الساحة الوطنية والتي أدركنا اليوم ضرورتها من اجل استقرار الوطن ,, حفظ الله اليمن وأهله من كل سوء

_ كاتب يمني