Logo

من كهنة آمون إلى الكهنة الحوثيين: نسخة منقحة

في زمنٍ ما، حين كان النيل يهمس للفراعنة، وحين الأهرامات لا تنام، عاشت طائفة من الكهنة في معابد طيبة، يقدّسون الإله آمون، ويجعلون من خُرافاتهم وضرائبهم دِينًا يمشي على قدمين. لم يكن "آمون" يتكلم، 

لكن كهنته فعلوا ذلك باسمه، فتلاعبوا بالجماهير، واستعبدوا العامة باسم السماء، حتى صار الحاكم نصف إله، والكاهن ظل الرب على الأرض.

واليوم، بعد آلاف السنين، يعود المشهد ذاته، لا من مصر، بل من اليمن، عبر جماعة الحوثي التي بعثت الكهنوت من المقبرة، وقدمته للناس بنسخة عربية، مزوّقة، بلحية وكلاشينكوف، وشعارات الموت.

الحوثيون ليسوا جماعة سياسية، بل كهنة معاصرون، يعيدون تقديم آمون القديم تحت اسم جديد: عبدالملك الحوثي. إنه "الإله" الذي لا يُسأل عمّا يفعل، لا يُناقَش، لا يُعارَض، لا يُضحك عند سماع خطابه، لأنه عند أتباعه ليس بشرًا، 

بل وحي يُتلى، ونص سماوي ينزل في خطب الجمعة. 

كل جمعة، ينتظرونه كما كان ينتظر المصريون نبوءات الكهنة: "قال السيّد"، "تكلّم القائد"، وكأن صوته ليس من حنجرة بل من سحاب ونار. إنه آمون العصر، وإن صمت فذلك حكمة، وإن تكلّم فذلك تشريع.

ثم يبرز محمد علي الحوثي، النسخة المعاصرة من إلخماهو، الكاهن الأعظم في أساطير طيبة، الذي يتلاعب بالبسطاء، يضحك في وجه الفلاح ويأخذ منه خبزه وهو يمدحه. 

يبيع الأوهام، ويمنح العامة طمأنينة زائفة مقابل جوعهم، يصدر البيانات كأنها ألواح مقدسة، لكنه في الحقيقة يسرق ما تبقى من رمق الفقراء. إن ابتسم، فاعلم أن قافلة إغاثة تم نهبها للتو، وإن صاح فاعلم أن جنديًا جديدًا تم تجنيده بالقهر.

أما أبو علي الحاكم، فليس إلا بيديامون، كاهن المعابد الذي يقود الجيوش، لا لحماية الشعب بل لحماية الأصنام. لا يرى إلا الخونة، ولا يصافح إلا الحديد. هو ظل آمون الذي يتحرك، وقبضته التي تزرع الرعب في القرى والأسواق.

 لا يعرف فقهًا ولا فلسفة، فقط يعرف أين تُزرع الألغام، وأين يُدفن المعارضون. كاهنٌ لا يخطب، بل يذبح.

ويأتي محمد البخيتي، كنسخة دقيقة من كيموني، وكيل معبد آمون في قصر بوتيفار، رجل يتكلم باسم السماء لكنه يفاوض باسم السلطة، يرفع شعار التسامح وهو يسجل أسماء خصومه في الليل، 

يبتسم للكاميرا ويتلو خطب الحب، بينما يوقّع أوامر القمع خلف الكواليس. هو السياسي الكاهن، الذي يُتقن الازدواج، ويتغذى على ضباب الكلمات.

أما بقية القادة فمجرد كهنة من الدرجة الثانية، موظفو المعبد الخلفي، ينهبون الأسواق بدعوى "المجهود الحربي"، يبيعون ماء زمزم المسروق من أحذية الجنود، ويخطبون الجمعة عن الزهد بينما يركبون سيارات اشتروها من دم الناس.

 إنهم لا يختلفون عن كهنة طيبة القديمة، الذين جعلوا الدين سوقًا، والخطب أختامًا على صكوك الغفران. يبيعون الجنة بمقدم خمسين ألف ريال،

 ويغفرون ذنوب الأغنياء مقابل التبرّع بصندوق ذخيرة، يتغذّون على الجوع، ويتوضؤون بدموع الأرامل، ويصلّون على أشلاء الأطفال.

لكن آمون، في النهاية، سقط. لم يصمد رغم تماثيله، ولا نجا رغم كهنته. سقطت معابده، واحترق بخوره، وانهارت أوثانه، وارتفعت راية التوحيد من بعده.

 لأن الإيمان لا يُحتكر، والتوحيد لا يُلقّن بالرصاص، والله لا يُمثّله رجل متخشب الوجه، يُلوّح بيده من خلف الشاشة، ويوزع الموت على قومه باسم الحياة.

وهكذا سيسقط آمون اليمني، ومن معه من إلخماهوات وبيديامونات وكيمونيين، لأن الكهنوت مهما تجمّل وسلّح نفسه، لا يصمد أمام العقل حين يفيق، ولا أمام شعب حين يُقرر. فالكهنة لا يموتون، بل يعودون في كل عصر بوجهٍ جديد… 

لكن الشعوب أيضًا لا تموت، بل تعود كل مرة أكثر وعيًا، وأشد شراسة، وأقوى إيمانًا بأن الإله لا يسكن في الكهوف ولا في الكهوف السياسية، بل في ضمير الإنسان حين يرفض الركوع إلا للحق.