اليمني يعيش الكوابيس في النهار بشكل مستمر!!
في عالم يتغير من حولنا بسرعة مذهلة، حيث تُبنى المدن الذكية وتُشيد المصانع الحديثة وتُفتتح الجامعات والمعاهد المتقدمة وتُستقطب العقول والاستثمارات، نقف نحن في اليمن على مفترق طرق حاسم.
ننظر إلى مستقبل أبنائنا وبناتنا فنراه مليئًا بالتحديات والصراعات من أجل لقمة العيش، ومحطات الفقر والحاجة والأنتظار.
الانتظار الدائم للخدمات من ماء و كهرباء وصحة وحتى لتعاطف الآخرين، وكأننا أسرى لواقع سعينا اليه ولم يمنعنا فيه أحد من أن ننهش بعضنا بعضًا.
أتابع التقارير من هنا وهناك والارقام واجد انه بينما يحقق الآخرون قفزات نوعية في التنمية، ننشغل نحن في اليمن - نخب وقيادات وسفراء ومفكرون- في مواقع التواصل الاجتماعي، نشغل حالنا مع اي موضوع أو ترند أو خبر كاذب، ولو كان في نهاية درب التبانة.
جزء منا يتخندق خلف أفكار وقناعات وقيادات عاجزة عن بناء حتى أبسط المشاريع، وأخرى تتخندق حول مشاريع الماضي التي فشلت مرات عدة في بناء امة.
وزاد الأمر أن هناك منا من ينزلق ليشغل حاله في مهاترات ومكارحات وأعطاء نصائح كيف يمكن الاخرين أن يكونوا اويحاربوا او يبنوا اوطانهم.
المهم نقاشات في اطار الجهود المهدورة دون أن نحقق كرامة أو نوفر أبسط حقوق الإنسان، دون ان نجد قليل من ماء وكهرباء ورغيف خبز بعدها.
وفي الوقت الذي نحن في العالم الافتراضي من بداية النهار الى نهايته يخطط فيه جيراننا اوطانهم لبناء مدن الجيل الرابع ويزيدون من فرص الاستثمار والاستقرار ويرفعون من مستويات مجتمعاتهم التعليمية والثقافية. ونحن نزداد فوضى وتخبطًا وفشلًا يجعلنا نخجل أكثر فاكثر.
المهم انظروا حولكم في الجوار، فالعالم يتغير للأفضل. إثيوبيا تخطط اليوم لبناء أكبر مطار في أفريقيا بطاقة تصل إلى 120 مليون راكب سنويًا، وتمتلك شركة طيران حديثة بأسطول تجاوز 141 طائرة، بالإضافة إلى طلبات لشراء 61 طائرة أخرى.
أما نحن في اليمن لم يعد معنا الا ثلاث أو أربع طائرات فقط، رغم أن دخلنا القومي قبل ثلاثين عامًا كان أفضل من إثيوبيا.
إثيوبيا اليوم تنتج من الكهرباء مايكفي دول، ونحن لم نؤسس حتى منظومة كهرباء لمدينة صغيرة، ومازلنا نتحدث منذ عقد عن أزمة المياه في المدن والريف دون أن نبني سدًا واحدًا، بل يبيعون لنا الوهم بحلول لم تأتِ.
الآخرون ليسوا أفضل منا، بل تعلموا من أخطائهم. إثيوبيا قبل 30 عامًا كانت أفقر من اليمن بأربع مرات، واليوم تضاعف دخلها القومي 16 مرة، بينما نحن ما زلنا ندور في نفس الدائرة.
سر نجاحهم يكمن في وجود مشروع دولة وفريق إداري واستراتيجيات واضحة، بينما نحن مازلنا نضيع وقتنا وفرصنا في بناء سلطات وجماعات خارق المنطق وفوق ذلك دون رؤية أو منهج أو قدرة، ونجد حتى المتعلمين يصفقون لهم ويصفون بعدهم.
كوريا الجنوبية مثال آخر، انتقلت من الفقر المدقع في خمسينيات القرن الماضي إلى معجزة اقتصادية، بينما نحن نضيع وقتنا في صراعات لا توفر حتى رغيف خبز واحد، ونناقش قضايا لا تهم أحدًا.
نشاهد دول الجوار تتقدم أمام أعيننا بينما نعيش نحن على أوهام الماضي وثقافة الصراع والتمزيق. الحروب والنزاعات الداخلية وغياب الإدارة الرشيدة وانتشار الفساد والجهل، كلها عوامل أوصلتنا إلى هذا الحال. بدلاً من بناء مؤسسات حديثة بكفاءات حقيقية،
ما زلنا نركز على القبيلة والانتماءات الضيقة والطائفية والمناطقية.
لقد أدت هذه السياسات لعقود إلى عزل اليمن إقليميًا ودوليًا، وحرمتنا من فرص التعاون والاستفادة من مشاريع التنمية الإقليمية،
وما زلنا نمارس نفس العبث السياسي. دول الجوار تنطلق الى إيجاد مكان لها بين الامم فوضعت خططًا واضحة للتنمية المستدامة، واستثمرت في التعليم والبنية التحتية والتكنولوجيا واستقطاب الكفاءات، ونحن عكسهم تمامًا.
وعندما انظر ان راتب المدرس في اليمن لايكفي حتى وايت ماء ونريد منه ان يبني جيل قادم منافس، ادرك حجم المعاناة وكارثة الانهيار.
اليوم وصل نصيب الفرد من الناتج المحلي في اليمن إلى 650 دولارًا سنويًا، مقابل أكثر من 40 ألف دولار في بعض دول الخليج، مما يعكس حجم الفجوة التنموية الهائلة والفشل الذريع للنخب والقيادات والمجتمع.
ومختصر الأمر واجب أن نستيقظ ونعيد التفكير في أولوياتنا كمجتمع يمني يعيش كوابيس النهار من ازمات الغاز والمياة والراتب والايجار وغيرها بشكل مستمر .
يجب أن نضع التنمية والإنسان في مقدمة اهتماماتنا، وأن نبني مؤسسات قوية، ونطور التعليم، وننفتح على العالم، ونحقق الاستقرار السياسي، حتى نتمكن من اللحاق بركب التنمية الحديثة ونمنح أبناءنا وبناتنا مستقبلاً يليق بهم بدلًا من الكوابيس التي نعيشها.