Logo

هم في الحقيقة " يديرون هدرة دوويين"!!

 لا توجد إصلاحات حقيقية في الأفق، ولن تتحسن أحوال الناس. الكل يعيش وهمًا أن الانهيار سوف يتوقف. 

فبحسب المؤشرات أمامي، يحتاج ما يقارب 23 مليون شخص في اليمن إلى المساعدات الإنسانية، منهم 19 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وحوالي مليوني نازح داخلي ما زالوا يعيشون ظروفًا مأساوية. 

وأنا على ثقة بأن القيادات والحكومة لا تملك حلولًا فعلية لهؤلاء، ولم تفكر فيهم أصلًا. 

وإذا نظرنا إلى تراجع دخل الفرد السنوي في اليمن، فقد كان 872 دولارًا في عام 2023، وهو رقم كارثي يجعلنا أفقر دولة في العالم العربي. 

والآن تشير الإحصاءات إلى أنه في عهد حكومة بن مبارك، وصل هذا المؤشر إلى 700 دولار في عام 2024، والحديث الآن عن أرقام دون ذلك، أي أقل من 550 دولار، مما يجعلنا الأفقر في العالم العربي وأيضًا في منطقة القرن الأفريقي. 

وهذا يعني أن الانهيار سيتسارع، وأنا واثق أن الدولة والقيادات لن تدرك ذلك ولن تستطيع وقف هذا الانحدار ولن تكلف نفسها حتى ان تبحث عن حلول. 

في الوقت نفسه، تتحدث الحكومة والمجلس الرئاسي عن "تنمية"، فلا أفهم ما المقصود بهذا المصطلح هنا. فالأرقام تقول إن خريجي الثانوية العامة لهذا العام في مناطق سلطة صنعاء وصل إلى 184 ألف طالب وطالبة،

 وفي مناطق الشرعية تقارب الأرقام من 130 ألف طالب وطالبة. إذن نحن نتحدث عن 300 ألف طالب وطالبة تقريبا، تستوعب الجامعات الحكومية والخاصة في كل الجمهورية منهم فقط ما يقارب 44%،

 أي أن 56% منهم بلا تأهيل ولا فرص. نكمل هذا العدد خلال خمس سنوات السابقة، أي نتحدث عن مليون ونصف مليون عاطل، منهم 650 ألفًا بتحصيل جامعي، و850 ألفًا فقط بتعليم ثانوي اي دون تأهيل وقدرة ومنافسة. 

وهذا نتاج فقط من كان في مسار الثانوية بمعنى الارقام العامة اكبر من ذلك بكثير. 

الآن نسأل: كم فرصة وفرت لهم الدولة؟ الجواب: صفر. كم مشروع استقطبته لهم ؟ الجواب: صفر. كم استثمارًا خارجي جذبته؟ 

الجواب: صفر. كم فرصة إقليمية وفرتها لهم؟ الجواب: صفر. بمعنى أن الدولة لا تقوم بواجبها ولاتهتم، ووجودها أو عدمه سواء. ومن يقول إنهم يمتلكون خططًا، فهو يكذب، لأنهم لا يفهمون المؤشرات والأرقام، وهم في الحقيقة " يديرون هدرة دوويين". 

ولو فهموا الواقع، لعلموا أننا بحاجة إلى جهود استثنائية، واستنفار لثلاث خطط خمسية، لإعادة اليمن إلى مستوى ممكن أن ننطلق بشكل حقيقي بعدها، وبشرطين تحدثت عنهما من قبل. 

وسأضيف بيتًا من الشعر ومن الإسقاطات الإحصائية حيث تقول إن لدينا طاقات شابة تحت سن الثلاثين يشكلون نسبة 70 إلى 75% من السكان، ومنهم 34% أطفال، ما يعكس حجم الضغط الديموغرافي غير المصحوب بفرص تعليمية أو عمل أو استثمارات في التأهيل. 

بمعنى أن الفرصة التي يمكن أن تنهض باليمن، هي ذات الفرصة التي قد تجعلنا بلدًا مثل "الشحاتين على الإشارات وأبواب المساجد" أذا لم نجهزهم صح لمعارك التنمية والمنافسة. فهل سعت الدولة لحل حقيقي لهذه المشكلة؟ والاجابة لا، ولا يهم أحد منهم . 

أما لو نظرنا إلى النظام التعليمي، فسوف نجده يفتقر إلى الكتاب المدرسي، الذي يصل إلى واحد فقط من كل سبعة طلاب، مع نقص كبير في الغرف الدراسية التي لا تكفي لتعداد الطلاب المتزايد. 

وهنا في هذا المؤشر تحتاج البلاد إلى 220 ألف غرفة دراسية على الأقل، بينما لا توجد سوى 140 ألف غرفة حالياً، وكل واحدة منها مكتظة بأكثر من 72 طالبًا، مقارنةً بالفصل الدراسي الغربي الذي لا يتجاوز عدد الطلاب فيه 22 طالبًا، مما يعقّد العملية التعليمية ويهدمها، ويجعل الطالب والطالبة اليمنية دون قدرات تعليمية حقيقية او منافسة مقارنة بجيرانهم، 

فلا يكون هنا نفع لهم تعليمًا ولا استفدنا منهم. وأنما نحن نهدم في ابنائنا وبناتنا. 

ولو نظرنا إلى أن أكثر من نصف الكادر التعليمي يعاني من نقص مؤهلات أكاديمية، حيث يفتقر 54% من المعلمين إلى الشهادات الجامعية، وهو ما ينذر بكارثة تعليمية تترجم إلى جيل غير قادر على المنافسة في أي سوق عمل مستقبلي، 

وبالتالي فإننا أمام كوارث تنموية قادمة، حيث لن يكون أبناء اليمن قادرين على المنافسة أمام العمالة الأخرى. فلا ادري ماذا تعمل الدولة والوزارات هنا أذا لم يجدوا حلول.

قبل عدة أسابيع شطحوا، وتحدثوا عن خطط لمائة يوم وكأنهم السويد او النرويج و"تنمية" و"ازدهار"، وهذا أمر مضحك، وأراه مجرد شطحات وكلمات فارغة، خاصة أن اليمن لم تنجح في عقود عدة، فما الذي تغير الآن؟ وما الجديد؟ 

وماهي الطلاسم التي معهم، ولو رجعنا إلى تاريخنا منذ الثورة في عام 1962، حيث مر علينا أكثر من 45 حكومة في الشمال والجنوب، فإن القاسم المشترك بين كل الحكومات هو أن كل واحدة كانت أسوأ من سابقتها في المؤشرات وكاذب من يقول غير ذلك،

 انتشر الفشل والفساد والارتجال بشكل مؤسسي في مفاصل الدولة. ولذا نعيش انهيارًا مركبًا يحتاج إلى 15 عامًا لإعادة اليمن إلى مسار دولة تنمية حقيقي، 

حيث كانت فرص اليمن واقصد هنا الشمال قبل 40 عامًا أفضل من فرص الأردن وماليزيا في التنمية والازدهار بوجود الدعم العربي الكبير. 

وعندما أسمع حاليا عن لجان في مجلس النواب أو لقاءات اقتصادية واجتماعية متعددة لانتشال الاقتصاد وغيره، أتساءل، كيف ستعملون وأنتم لا تملكون مشروعًا ولا خططًا ولا منهج ولا استمرارية ولا حتى برتوكولات، بل الأمر مجرد "ثقافة دواويين" تعال نهدر،

 وقال لك وقلت له، ومن نفس الأشخاص، أي لم ينجحوا في عقود سابقة، فكيف يمكنهم النجاح الآن، وهم في الأصل مجرد إعادة تدوير (رسيكلنج ومن دون زعل لكن مهم أن نتحدث بلغة مفهومة)؟ 

وعلى الصعيد الاقتصادي، لم يدرك أحد من قيادات اليمن أن الانكماش الاقتصادي بلغ 58% منذ بداية الحرب وحتى أغسطس 2023، وزاد في عام 2024 ليصل إلى 63%، 

وهي خسارة فادحة للناتج المحلي الإجمالي لدولة تبحث عن طريقها، خاصة إذا ما قورن بما كان متوقعًا تحقيقه لو لم تكن هناك حرب أو أزمات مركبة، والذي قد يقارب 75 مليار دولار سنويًا. 

وتدهورت العملة المحلية بنسبة تجاوزت 1250% في مناطق الحكومة الشرعية مقارنة بعام 2014، و256% في مناطق سلطة صنعاء، وهنا أصبحت القدرة الشرائية للمواطن في الحضيض. 

وحتى إذا نظرنا إلى ارتفاع الدين العام المحلي، فقد وصل إلى 9.2 تريليون ريال يمني، وهو يمثل عبئًا ثقيلًا على اقتصاد هش، خاصة مع اعتماد 90% منه على تمويل البنك المركزي، مما يهدد استقرار الجهاز المصرفي كاملاً. 

أما الدين الخارجي، فهو لا يزال تحت السيطرة، حيث بلغ نحو 5.5 مليار دولار، دون احتساب الودائع السعودية، ومع توقف مدفوعات الخدمة لغالبية الدائنين، ما يزيد من الأعباء المالية المستقبلية. 

وحتى الدعم الخارجي وتصنيف الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب والتدمير الذي طال مقدرات اليمن يعكس كوارث على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، حيث تفاقمت مشكلات الفقر والبطالة والجهل والمرض، في وقت تجاوز فيه عدد السكان، 

من وجهة نظري، حاجز 38 مليون نسمة، فلم تعد اليمن 32 أو 34 مليون نسمة كما في الإسقاطات الإحصائية، مع معدل نمو يقارب 3.8% سنويًا. هذا النمو البشري الكبير لم يصاحبه تنمية حقيقية ولا حلول عملية ولا بنية تحتية،

 بمعنى أن البلد بكل محافظاته ومدنه وقراه يعاني من كوارث يصعب التعامل معها، بينما نطلق تصريحات فارغة وزعامات فاضية عن بلد "سوف ننتهي على أبواب الجوامع". 

وفي قطاع الطاقة والموارد، فالاقتصاد كان يعتمد بشكل كبير على النفط، الذي لم تتجاوز صادراته مليارًا و350 مليون دولار، في حين تفوق الواردات النفطية هذا الرقم بكثير، مما يخلق عجزًا تجاريًا كبيرًا، 

ونحن اليوم لا نصدّر نفطًا ولا غاز كما تقولون. كما تعاني الصادرات الزراعية والخدمات الأخرى من ضعف واضح، مما يهدر الفرص التصديرية وجهود المزارعين. أعطي هنا مثالًا: 

قبل شهرين، وصلت قيمة كرتون محصول المانجو إلى أسعار لا تغطي حتى تكاليف الجني والنقل. 

أما بالنسبة للدعم الخارجي، فإن سلطات اليمن معروفة بأنها أخفقت في الاستفادة من القروض والمساعدات والعقود، 

ولا يوجد داعم سيقدم الدعم في ظل هذا التشرذم والمشاريع المريضة. فقد فشلت اليمن في استيعاب سوى 27% من التعهدات الدولية قبل 2014، رغم تجاوز المبالغ المخصصة 8 مليارات دولار، ما يعكس ضعف الإدارة وغياب الكفاءة التنفيذية. 

واليوم نتحدث عن مساعدات تُعد صفراً مقارنة بما كانت تحصل عليه اليمن. ورغم وجود دول الجوار بمشاريعها العملاقة للمستقبل والتغيرات العالمية، لم نحاول تقليدهم أو الاستفادة. 

وفي ظل التحولات العالمية نحو الاقتصاد الرقمي والمعرفي، بقيت اليمن بلا رؤية واضحة ولا استراتيجية قادرة على مواكبة هذه التطورات، سواء لدى الحكومة الشرعية أو الحوثيين، مما يهدد فرص لعقود قادمة. 

وتعود أصول الكارثة في مجمل كلامي إلى ثقافة الارتجال وافتعال الفهم، وقيادات لا تمتلك القدرة ولا المعرفة، ولا أحتاج هنا إلى التفصيل. باختصار، اليمن أمام كارثة شاملة متعددة الأبعاد، تتطلب حلولًا جذرية وسريعة، 

تبدأ من الاستثمار الحقيقي في الإنسان، وتنتقل إلى إصلاح الاقتصاد، وبناء مؤسسات قادرة على إدارة الموارد ومواجهة التحديات. الحلول المؤقتة أو السياسية لن تنقذ اليمن، بل فقط النهج الوطني الشامل يمكنه إنقاذ ما يمكن إنقاذه.