Logo

من محراب النفاق إلى نادي الأوغاد: حكاية هاني بلا بريك

 في السُّنَّةِ في السُّنَّةِ… ما زالت الصيحة تتردد، لا في دروس العلم، بل في مهرجانات النفاق… حيث تخرج الفتوى من بين الشفاه كالرصاص، تصيب الضعفاء، وتُبقي الجلاد على عرشه. 
هناك، في دهاليز الحرب اليمنية، لم تكن المصيبة فقط في الحوثي الذي عرفناه خصمًا منذ أول لحظة، بل في أولئك الذين تخفّوا تحت عباءة الدين، ثم باعوه رخيصًا في مزاد السياسة والعمالة، وارتضوا أن يكونوا دمى بأصابع من ذهب.
في هذا المشهد الكالح، برز رجلٌ يدعى هاني بلا بريك. لا هو عالم ولا هو قائد، بل شيء مسخٌ بين الاثنين، 
مزيج من التشدق بالمقدس والتمرغ في الموبقات، بدأ سلفيًا يلهج بذكر الوحدة والشرع والنهج السلفي، ثم انتهى مطربًا سياسيًا على مسارح الفتنة، يغني للانفصال، ويرقص على أشلاء من ماتوا بفتاويه.
لقد خدع الناس باسم الدين، ألقى خطبًا تقطر حماسة، وتغنّى بالقيم، ثم فجأة انقلب على عقبيه، ورفع لواء الانفصال، وبارك الذبح، وأفتى بقتل المخالف، 
كل ذلك وهو يلبس قميص "السلفية" ويتنقل من فندقٍ إلى فندق، ومن مؤتمرٍ إلى نادٍ ليلي. رأيناه يتدرج من داعية إلى قاتل، إلى بوق، إلى لا شيء. لقد احترفت هذه الكائنات التلوّن، ليس لأن المبادئ تغيّرت، بل لأن السعر تغيّر.
كان الناس يظنون أن العدو في الكهف، فإذا بهم يُذبحون في المساجد بفتوى، ويُخدعون في وسائل الإعلام بخطبة، ويُباعون على موائد الفنادق بابتسامة. 
وما أشدها من خيانة حين تأتيك ممن يُفترض أنه في صفك، ممن يلبس عمامة ويقول "الله أكبر" وهو يضع السم في العسل.
أما الشرعية، فتمشي على عكاز. لا صوت، لا فتوى، لا موقف. لقد تركت الساحة للأفاعي، فملأها المسوخ. من مفتي حوثي يبارك الحق الإلهي،
 إلى مفتي الانتقالي الذي يصدر فتاوى القتل قبل أن يصحو الناس من نومهم. كلهم أصبحوا وجوهًا مختلفة لدينٍ مختطف، لكلمة الله التي أُخذت رهينة بأيدي المرتزقة.
لكن بين كل تلك الوجوه، يبقى هاني بلا بريك الأكثر صفاقة، الأكثر فجورًا في التلوّن. بدأ حياته يدّعي أنه جندي من جنود الله، فانتهى والناس تردد:
"وكنت امرء من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي"
نعم، لقد انطبق عليه هذا القول، حتى أن إبليس نفسه وقف حائرًا: كيف تفوق هذا المخلوق في الدهاء والانحدار، حتى أصبح أستاذًا في فن التضليل؟ بلعام بن باعوراء نفسه لم يبلغ هذا الدرك من التلون والتمادي في استباحة الدماء باسم الفتوى.
هاني بلا بريك لم يكن مفتيًا، بل مقاولًا يبيع الفتاوى حسب الطلب. قال في الأمس ما يخالف اليوم، ثم أفتى بالدم، ثم مدح القاتل، ثم انكفأ إلى صالات الانتظار في لندن، حيث صمتٌ ناعم، وأبناء يدرسون في أفضل الجامعات،
 بينما أبناء البسطاء تحت التراب، أو في خنادق بلا طعام ولا رواتب. هو يعيش الأمان والترف، وهم يعيشون الفقد والخذلان.
خدع الناس مرتين: مرة باسم الدين، ومرة باسم الوطن، وفي المرتين قادهم إلى الجحيم. لم يكن وحده، لكنّه كان الأوضح، والأكثر جرأة في السير عاريًا وسط السوق وهو يصرخ: "أنا المفتي!"، بينما هو لا يفقه من الدين إلا ما يمرره سيده. 
وعندما انتهت ورقته، اختفى. لم يعد له صوت ولا أثر، سوى في ذاكرة الثكالى، واليتامى، والدماء التي غطت الطرقات.
عيسى عليه السلام قال:
"علماء السوء مثل شجرة الدفلى، تعجب من رآها، وتقتل من أكلها."
وقد أكلنا من هذه الشجرة يا هاني… وها نحن نموت، كل يوم، بالكلمة التي لوّثتها، وبالفتوى التي سلّمتها للقاتل، وبالمحراب الذي حولته إلى بوابة جحيم.
إن أمثالك يا هاني، حين يصمت الناس عنهم، يتجرأ الجيل التالي على لبس القميص نفسه، وعلى تقليد النغمة نفسها. لا بد من فضحك، لا لأنك أنت فقط خنت، بل لأنك فتحت بابًا لمن بعدك. 
يجب أن يُكتب اسمك في سجل الخونة، لا العلماء، ويُعلّق في كل زاوية على أنه نموذج القذر حين يلبس الطهر، والخائن حين يتكلم باسم الله.
أما أنت، فاذهب بعيدًا حيث تختبئ، لكنّك لن تنجو من ذاكرة الناس، ولا من لعنة الدم، ولا من دعاء المظلوم… ستظل حكاية سوء تُروى لكل من يظن أن الفتوى سلعة، وأن الله يُستعمل وسيلة للوصول إلى بلاط السلاطين.