Logo

نزيف اليمن: جراح وطن... ونور الأمل

تتجرع اليمن اليوم مرارة الألم وتنزف من جراحاتها التي لا تندمل. هذا المهد الحضاري، أصبح مسرحاً لمعاناة تتجاوز حدود التصور، 

حيث يتداخل نزيف الدم مع نزيف الروح، وتتوالى فصول الألم في قصة شعب بات يعيش على أطلال ماضٍ تليد ومستقبلٍ مجهول.

تتجسد مأساة اليمن في نزيفه الشعبي والمجتمعي، حيث تتبدد الأحلام وتتحطم الآمال تحت وطأة الصراعات الدامية.

 البيوت تهدم، الأسر تتشتت، والأطفال يدفعون الثمن الأكبر لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. هذا النزيف ليس مادياً فحسب، بل هو نزيفٌ للمبادئ والقيم، وللنسيج الاجتماعي الذي كان يوماً ما قوياً ومتماسكاً.

ولعل أشد أنواع النزيف فتكاً هو نزيف العقول التي هربت وهاجرت، تاركةً خلفها وطناً في أمس الحاجة إليها. 

الأطباء، المهندسون، المعلمون، المفكرون، كل كفاءة يمنية وجدت نفسها مضطرة للبحث عن ملاذ آمن ومستقبل واعد خارج حدود الوطن، تاركةً فراغاً يصعب ملؤه، ومستنزفةً بذلك مخزون اليمن البشري الذي هو رأسماله الحقيقي.

ولا يمكن الحديث عن جراحات اليمن دون الإشارة إلى تلك النخبة الفاسدة، التي باعت ضميرها وتآمرت على شعبها. مسؤولون لصوص، وأصحاب مصالح شخصية، وتجار حرب، سقطوا في مستنقع الخيانة، 

وتركوا اليمن كـ"سبورة" لكل قائد عصابة أو شلة، يمسك قلماً يرسم به أجنداته الخاصة، المرتبطة بجهات أجنبية لا همّ لها سوى تحقيق مصالحها على حساب دماء اليمنيين. 

هؤلاء الذين كان من المفترض أن يكونوا حصناً للوطن، أصبحوا معاول هدم، يغرسون أنيابهم في جسد اليمن المثخن بالجراح.

وما يزيد الطين بلة هو التبريرات الواهية لمن عملوا على خراب الوطن وتمزيقه. فمنهم من ادعى أن ثرواتهم مسروقة من طرف آخر، وكأنهم يبررون الخيانة بالاتهام، متناسين أن الثروة البشرية هي الأغلى والأكثر نفعاً. 

فاليابان وسنغافورة، على سبيل المثال لا الحصر، ليس لديهما أراضٍ صالحة للزراعة بشكل كامل، ولكنهما اليوم من أرفه شعوب العالم وأكثرها تقدماً، بفضل استثمارها في الإنسان وفي العقول النيرة.

لكن، ورغم كل هذا الظلام، يبقى نور الأمل يشتعل في قلب كل يمني غيور. فمهما طال الزمن، 

سيأتي اليوم الذي يقلع فيه الشعب اليمني الأصيل هذا الوباء الذي استشرى في جسد الوطن، ويدوس على كل خائن ولص ومتاجر بآلامه من أجل مصالح رخيصة.

 حينها فقط، سيبدأ اليمن في تضميد جراحاته، ويعود إليه أبناؤه، وتشرق شمس العدل والحرية على أرض السعيدة من جديد. هذا هو الأمل الذي يغذي صمود اليمنيين، ويدفعهم نحو فجرٍ قريب، مهما اشتدت عتمة الليل.

إن غداً لناظره قريب.