Logo

الرئيس صالح باق في وجدان الناس

علاقة اليمنيين بالرئيس علي عبدالله صالح ليست علاقة سياسية عابرة، بل هي علاقة تشبه تمامًا علاقة الإنسان بحبه الأول؛ ذاك الحب العميق، الغائر في القلب، الذي لا تمحوه السنين، ولا تجففه قساوة الأيام، ولا ينسيه تتابع المراحل والعلاقات والوجوه.

الحب الأول لا يُنسى، لأنه أول ارتجافة قلب، وأول رعشة حلم، وأول مرآة رأينا فيها أنفسنا بحقيقتها المتطلعة إلى الحياة. كذلك كان صالح في ذاكرة اليمنيين حب دولتهم الأولى والتي يندبون غيابها كل مساء: 

أول مدرسة تُبنى، أول جامعة تُشيّد، أول طريق يربط المدن ببعضها، أول صندوق انتخاب يدفع المواطن صوته إليه، أول رنة هاتف ثابت، وأول نقال بل اول رسالة sms، 

وأول راتب حكومي يستلمه الموظف في دولة تشق طريقها من تحت الركام. وأهم من كل ذلك: أول لحظة شعر فيها اليمني بأنه يعيش في وطن واحد اسمه "اليمن".

لقد ترك صالح في حياة اليمنيين بصمة لا تمحى، وعطرًا لا يتبخر، وصوتًا لا يصمت. كان الحاضر في تفاصيلهم اليومية، في ملامح الأبنية، في نبرة الإذاعة، في صدى الأناشيد الوطنية التي تهتز لها اليمن قاطبة كل صباح رددي ايتها الدنيا نشيدي واعيدي واعيدي، 

وحتى في ملامح وجوهنا التي عايشت مراحله بحلوها ومرها.

حتى وإن رحل، فإن الرئيس صالح باق في وجدان الناس، لأن كل شيء من حولهم لا يزال يذكرهم به: الطريق التي يسلكونها، المدرسة التي دخلوا إليها، الأوراق الرسمية، الهياكل، المؤسسات، الملامح العامة للدولة، الذاكرة الممتلئة بكل شيء بدأ في عهده وأضاعه من خلفوه.

هي ليست فقط علاقة شعب برئيس، بل علاقة أبناء بأبيهم الذي قادهم رغم عصيانهم، وربما قسوا عليه كما قسا هو عليهم، لكنه ظل في قلوبهم كما يظل الأب، مهما اختلفنا معه، لا نملك إلا أن نَحن إليه إذا اشتد الخوف من بعده وتاهت الخطى وزاد الخطأ.

هي قصة حب بين قائد وشعبه.. حب لم يكن عابرًا، بل متجذراً في ذاكرة وطن مثقل بالجراح.