الواقع اليمني المر
تتخبط اليمن في مستنقع من الأزمات، حيث يتكشف كل يوم حجم الكارثة التي حلت بالبلاد. ليس هذا مجرد صراع عابر، بل هو نتيجة لعقود من التراكمات، ولعبة نخب لم ترَ في الوطن سوى غنيمة، وفي الشعب مجرد وقود لصراعاتها البغيضة.
اليوم، يواجه اليمني واقعًا مؤلمًا يفرض عليه أن يستفيق من غفوته، وأن يتعلم من آلامه لكي لا يقع في الفخاخ ذاتها مرة أخرى.
الأزمة الإنسانية: ثمن باهظ دفعه الشعب
إن الحديث عن أزمة إنسانية أصبح أمرًا روتينيًا، لكن الواقع أبعد ما يكون عن الروتين. الملايين يتضورون جوعًا، الأطفال يموتون بسبب أمراض يمكن علاجها، والكرامة الإنسانية تداس كل يوم. هذا ليس قضاء وقدر،
بل هو نتيجة مباشرة لقرارات، أو غياب قرارات، اتخذتها أيادٍ تظاهرت بحماية الوطن بينما كانت تمزقه إربًا. كل لقمة خبز غابت، وكل قطرة ماء شحت، وكل روح أزهقت، هي وصمة عار في جبين من أوصلوا البلاد إلى هذا الحضيض.
الشعب هو من يدفع الثمن الفادح، بدمه، وعرقه، ومستقبل أجياله.
النخب: مهندسو الخراب ومروجو الوهم
يكمن جوهر الكارثة اليمنية في الدور المدمر الذي لعبته وتلعبه النخب المتصارعة. هؤلاء ليسوا قادة يبنون، بل لاعبون محترفون في لعبة الفوضى والتفتيت.
لقد استخدموا كل ورقة ممكنة: الدين، القبيلة، المناطقية، وحتى الشتائم الوطنية، لتأجيج نيران الصراع وضمان بقائهم في المشهد على أنقاض الوطن.
لقد قامت هذه النخب بـ:
* خلق الفتن: زرعت بذور الشقاق بين أبناء الوطن الواحد لتحقيق أجندات شخصية ضيقة.
* بيع الوهم: روّجت لشعارات براقة عن "التحرير" و"النصر" بينما كانت تقتات على دماء وأوجاع الناس.
* احتكار السلطة والثروة: جعلت من الدولة بقرة حلوبًا ومن مقدرات الشعب ملكية خاصة، بينما تركت غالبية اليمنيين في فقر مدقع.
* عرقلة أي حل: كلما لاح أفق للسلام، تدخلت أياد خفية لنسفه، لأن استمرار الفوضى يخدم مصالحها الضيقة.
* استغلال العواطف: تلاعبت بمشاعر الجماهير، واستغلت حماس الشباب وطيبتهم لدفعهم إلى محرقة الصراع.
الآثار المترتبة: دمار شامل لبنية الدولة والمجتمع، انهيار اقتصادي لا مثيل له، تشرذم اجتماعي عميق، وتحويل اليمن إلى ساحة خلفية لتصفية حسابات إقليمية ودولية.
الشعب: بين ألم الواقع وضرورة اليقظة
لقد آن الأوان لأن يدرك كل يمني أن ما يحدث ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة لخضوع طوعي أو غير طوعي لتلك النخب. لم تعد هناك مساحة للأحلام الوردية أو التوقعات المضللة. الواقع هو ما نراه اليوم: خراب، جوع، موت، وتشتت.
إن الدرس القاسي الذي يجب أن يُستوعب هو أن العواطف المُسيّرة بلا عقل هي وقود للمشاريع الهدامة. كل من رفع شعارًا مضللًا، وكل من وعد بجنة كاذبة، وكل من دفع بالشباب إلى الموت باسم قضايا زائفة، يجب أن يُحاسَب ويُسأل. على الشعب أن يتعلم أن:
* الولاء يجب أن يكون للوطن وحده، لا للأشخاص أو الجماعات.
* الشعارات الرنانة غالبًا ما تخفي مصالح قذرة.
* الحل ليس في إشعال حرب جديدة، بل في إخماد النيران المشتعلة.
* اليقظة وعدم الانجرار وراء أي مشروع يدعو إلى الفتنة أو الصراع، مهما كان لونه أو شعاره.
إن مستقبل اليمن يعتمد على قدرة شعبه على تحويل هذا الألم المرير إلى وقود لصحوة حقيقية، صحوة ترفض استغلال العواطف، وتفرض على النخب أن تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، أو أن تُنبذ من المشهد إلى الأبد. لم يعد هناك مكان للوهم، فالوطن ينزف، والألم وحده هو الحقيقة الباقية التي يجب أن تدفع نحو اليقظة الشاملة.