اليمن بين الانهيار واستعادة الدولة الحاجة إلى حكم رشيد وقيادات جديدة
يُعد تحقيق الحكم الرشيد في اليمن ضرورة وطنية ملحة في ظل ما تشهده البلاد من انهيار مؤسساتي وتمزق اجتماعي وتدهور اقتصادي عميق ..
فالحكم الرشيد لا يعني فقط وجود حكومة وإنما يشمل نمط إدارة الشأن العام بما يضمن العدالة والمساءلة والمشاركة والشفافية ويعزز الثقة بين المواطن والدولة ويعيد الاعتبار لمبدأ سيادة القانون كمصدر للشرعية..
لقد كشفت سنوات الصراع عن هشاشة البنية المؤسسية للدولة اليمنية وتغول الفساد في مفاصلها وسيطرة النخب المتنفذة على القرار والثروة ..
كما أسهم تعدد مراكز القوى العسكرية القبلية والدينية والمناطقية وتداخل الولاءات الإقليمية والمحلية في تقويض سلطة الدولة وعزل المواطن عن عملية صنع القرار وتكريس ثقافة الإقصاء والتهميش ما شكل بيئة طاردة لأي محاولة إصلاح حقيقي..
أدت الخلافات المتكررة بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي إلى حالة من الجمود السياسي وتعطيل أي مسار حقيقي للإصلاح أو إعادة بناء مؤسسات الدولة إذ لم ينجح المجلس في تقديم نموذج موحد للحكم أو التعامل مع القضايا الوطنية الكبرى..
وظلت قراراته حبيسة التباينات الشخصية والتجاذبات المناطقية والولاءات الخارجية ما أدى إلى تفريغ السلطة من مضمونها وتحويلها إلى واجهة شكلية لا تمتلك القرار ولا تعكس تطلعات المواطنين..
تحول اليمن تدريجيا إلى مجرد ملف بيد بعض الدول التي باتت تتعامل مع الوضع باعتباره ورقة ضغط أو ميدان نفوذ لا أولوية فيه لبناء الدولة أو تحقيق السلام ..
بل لإدارة التوازنات وصناعة الولاءات وهو ما عمق من فقدان الثقة بالمسار السياسي الرسمي وأفقد المواطن الشعور بالانتماء لأي منظومة حكم قائمة وترك الساحة خاضعة لمنطق الصراع بدلًا من منطق الدولة..
إن طبيعة التغيرات المستقبلية في اليمن تفرض إعادة النظر في من يتصدر المشهد السياسي إذ لم يعد مقبولا أن يستمر نفس الأشخاص الذين أوصلوا البلاد إلى حافة الانهيار في إدارة ما تبقى من مؤسسات أو في رسم مسارات الخروج من الأزمة..
فاليمن بحاجة إلى قيادات جديدة تمتلك رؤية وطنية مستقلة وشجاعة في اتخاذ القرار وتكون بعيدة عن إرث الفساد والمحاصصة وقادرة على خلق اصطفاف وطني جامع يتجاوز الحسابات الضيقة ويركز على بناء دولة للجميع..
يتطلب تحقيق الحكم الرشيد في اليمن البدء بإعادة بناء الدولة على أسس مدنية حديثة قائمة على المواطنة المتساوية والفصل بين السلطات والاستقلال الكامل للقضاء بما يضمن عدم استخدامه أداة بيد أي طرف سياسي أو جماعة دينية..
كما ينبغي العمل على إصلاح مؤسسات الخدمة العامة وإعادة هيكلتها لتقوم على الكفاءة والنزاهة بعيدا عن المحسوبية والولاءات الضيقة..
إن بناء الثقة بين الدولة والمجتمع لا يتحقق إلا من خلال مصالحة وطنية شاملة تتجاوز منطق الغلبة وتؤسس لعقد اجتماعي جديد يعترف بحقوق الجميع ويضمن المشاركة العادلة في السلطة والثروة ويضع حدا للاحتكام للسلاح ويفتح المجال أمام مشروع وطني جامع يحترم التنوع ..
ويعيد لليمنيين كرامتهم ودورهم في صناعة مستقبلهم دون وصاية أو هيمنة أو إقصاء..
* سفير بوزارة الخارجية