الرئيس العليمي في كماشة السلاح والنفوذ الإقليمي
منذ تعيينه رئيسًا لمجلس القيادة الرئاسي في اليمن يعيش الدكتور رشاد العليمي وضعًا معقدًا في مشهد سياسي وأمني متداخل تتنازع فيه القوى الفاعلة داخل المجلس نفسه سلطة القرار وتمارس عليه ضغوطًا متزايدة تحد من قدرته على إدارة المرحلة الانتقالية ..
إذ يفتقر إلى أدوات القوة الفعلية بينما تحيط به قوى تملك السلاح والنفوذ وتمارس تأثيرًا يفوق ما تتيحه له صلاحيات الرئاسة ..
يجد الدكتور / رشاد العليمي نفسه محاصرًا بقوى ترى في وجوده عائقًا أمام مشاريعها الخاصة بدءًا بالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسعى إلى ترسيخ واقع انفصالي مدعومًا من الإمارات مرورًا بألوية العمالقة التي تحتفظ بقرارها العسكري المستقل وانتهاءً بحزب الإصلاح الذي يراكم حضوره داخل مؤسسات الدولة ويتوجس من أي محاولة لتقليص نفوذه ..
وإلى جانب كل ذلك برز خلاف متصاعد مع العميد طارق محمد عبدالله صالح الذي يمثل قوة عسكرية منظمة في الساحل الغربي ويحظى بدعم إماراتي مباشر ويتعامل مع مؤسسة الرئاسة بوصفها سلطة شريكة لا مرجعية عليا وهو ما تجلى في تحفظه على بعض قرارات الرئيس وتغيبه عن اجتماعات مهمة ..
ورغم محاولات رئيس مجلس القيادة الحفاظ على توازنه بين هذه التناقضات إلا أنه لم يتمكن من فرض حضوره كرئيس فعلي للدولة بل تحول إلى نقطة تماس دائم بين المحاور المختلفة التي تستغل موقعه لإضفاء الشرعية على مشاريعها أو تسعى إلى تقويضه ..
ومن أبرز مظاهر هذا التوتر الخلاف المتصاعد مع العميد طارق صالح الذي أصبح رقماً فاعلًا في المعادلة السياسية والعسكرية ويتزامن هذا التوتر مع عرض قناة العربية فيلم “الزعيم الأخير” عن مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح ..
وهو توقيت قرأه كثيرون على أنه رسالة ضغط لإعادة الاعتبار لعائلة صالح وإعادة تشكيل موازين القوى داخل المجلس بما ينعكس على موقع العليمي وصلاحياته ..
وفي السياق ذاته جاء ظهور نجل الرئيس الراحل مدين علي عبدالله صالح في قناة العربية كرسالة سياسية أعادت فتح النقاش داخل الأوساط الموالية لحزب المؤتمر والشخصيات القبلية المحسوبة على النظام السابق ..
ما زاد من مناخ الشك تجاه نوايا بعض أعضاء المجلس في الدفع نحو ترتيبات جديدة قد تؤدي إلى تقليص دور الرئيس أو تحويله إلى رئيس رمزي بلا تأثير حقيقي ..
تتزايد الاتهامات الموجهة إلى الدكتور / رشاد العليمي داخل المجلس وخارجه بممارسة السلطة بشكل انتقائي حيث يرى خصومه أن التعيينات الأخيرة التي أجراها شابتها اعتبارات شخصية ومحسوبية على حساب الكفاءة ..
ما أثار حفيظة أطراف داخل المجلس تتخوف من تغوّل تيار معين على مفاصل القرار الأمر الذي يدفع البعض للتلويح بإعادة هيكلة المجلس أو السعي لتقليص صلاحيات الرئيس في حال استمرت هذه السياسات ..
الواقع أن الرئيس لا يمتلك قوة عسكرية تحمي قراراته ولا جهازًا إداريًا فاعلًا يمكنه من تنفيذ رؤاه بل يقود دولة مفككة لا تملك السيادة الفعلية على الأرض وتخضع لتدخلات إقليمية تحدد مسار القرار السياسي والعسكري ..
ما يضعه في موقع دفاعي يجبره على مسايرة مراكز النفوذ بدلاً من قيادتها حفاظًا على الحد الأدنى من التماسك الظاهري لسلطة فقدت فعاليتها ..
وفي ظل هذا المشهد تتحول مؤسسة الرئاسة من موقع القيادة والتوجيه إلى مجرد مساحة للمساومة بين الأجندات الفاعلة وهو ما يجعل مستقبل الدكتور /رشاد العليمي مرتبطًا بقدرته على المناورة أكثر من قدرته على صناعة القرار ..
* سفير بوزارة الخارجية