Logo

كيف تبخرت مخرجات الجامعات أمام الكهنوتية الحوثية؟

 منذ نشأة الحركة الحوثية وبروزها كقوة سياسية وعسكرية في اليمن، بدأنا نشهد تغيرًا حادًا في البنية الاجتماعية والثقافية للبلاد، هذا التغير لم يقتصر على السياسة والسلاح، بل طال أيضًا الجانب المعرفي والنخبوي، لدرجة دفعت الكثير للتساؤل: أين ذهبت مخرجات الجامعات؟ وكيف انهارت أمام الخطاب الكهنوتي الحوثي؟
اليمن شهد منذ التسعينات طفرة تعليمية كبيرة، حيث تضاعفت أعداد الجامعات والمعاهد ومخرجاتها، كانت آلاف الخريجين في مختلف التخصصات—من الطب والهندسة إلى القانون والعلوم السياسية—كان يُفترض أن يشكلوا الرافعة الثقافية والاجتماعية للدولة، وأن يكونوا في طليعة الرفض لأي خطاب رجعي أو طائفي..
لكن الواقع أظهر عكس ذلك فمع صعود الحوثيين، غابت هذه المخرجات عن المشهد، بل إن بعضًا منها انخرط في صفوف الجماعة، إما تطوعًا أو تحت ضغط الواقع والاحتياج وانكمش دور النخب الثقافية والأكاديمية أمام خطاب ديني جامد يُعيد اليمن قرونًا إلى الوراء..
الكهنوتية الحوثية امتلكت خطابا يراهن على الفرغ، بخلاف كثير من الخصوم السياسيين، فلم تكتف بالخطاب العسكري أو السياسي، بل استخدمت خطابًا دينيًا طائفيًا يرتكز على “الاصطفاء الإلهي”، ويمنح قياداتها قدسية خارقة للمنطق والعقل، خطاب يربي أتباعه على الخنوع والطاعة المطلقة، وينبذ التفكير، ويكرس صورة “السيد” الذي لا يُسأل عمّا يفعل..
السؤال الأخطر كيف تقبل اليمني العبودية، وهو المعروف تاريخيًا بتمرده ورفضه للوصاية، كيف قبل بإعادة تشكيل وعيه ليقبل خطاب الطاعة والولاء للسيد؟.
الإجابة مركبة، منها:
 تراكم الإفقار والتجهيل فالحوثيون عملوا بشكل ممنهج على تفكيك التعليم، وإعادة صياغة المناهج، وتحويل المدارس إلى أدوات تعبئة طائفية وسيطروا على المنابر الإعلامية والدينية وأحكموا القبضة الأمنية،  والأهم من ذلك  التذرع “بالهوية الإيمانية” والخلط بين الدين والمذهب والعرق في قالب واحد، ما أربك كثيرًا من العامة، وخلق نوعا من “الخضوع المقدس”..
خاتمة: بين النكسة والفرصة
ما يحدث في اليمن ليس فقط صراعًا على السلطة، بل هو صراع على وعي الإنسان وكلما غابت النخبة الحقيقية، وانهارت منظومة التعليم، كلما تمدد المشروع الكهنوتي بسهولة..
لكن الرهان لم يُحسم ولا يزال هناك يمنيون كُثر—داخل وخارج الوطن—يرفضون هذا الخطاب، ويؤمنون بقيم الجمهورية والمواطنة المتساوية فالمعركة اليوم هي معركة فكر، لا تقل أهمية عن البندقية..
ورغم كل ما سبق من محاولات تفكيك الوعي وإخضاع المجتمع، إلا أن مشروع الحوثي يبدو اليوم وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، ليس فقط بفعل المقاومة العسكرية، بل بفعل تصاعد الوعي الشعبي المتنامي بين اليمنيين فقد بدأت القناعة تتجذر في عقول كثير من اليمنيين أن ما يطرحه الحوثي ليس مشروعًا دينيًا أو وطنيًا، بل مشروع استعباد سلالي قائم على الخرافة والمصلحة الضيقة..
أصوات الرفض تتسع، والسخرية من الخطاب الكهنوتي باتت أكثر جرأة، وحتى في معاقل سيطرته، لم يعد الخطاب الحوثي قادرًا على الإقناع كما كان في بداياته، فالناس، بعد سنوات من المعاناة، باتوا يدركون أن ما يقدم لهم باسم “الهوية الإيمانية” ما هو إلا قيد جديد على حرياتهم وكرامتهم ولهذا بدأ الحوثيون يشددون الخناق على قيادات المؤتمر خوفا من انتفاضة ثانية تعصف بهم..