Logo

كيف صنع الدخل الإضافي إمبراطورية الفساد في وزارة الخارجية اليمنية

 استمر وكيل الشؤون المالية في وزارة الخارجية في موقعه التنفيذي الحساس لأكثر من أربعة عشر عاما دون مساءلة حقيقية أو تغيير فعلي وقد تمكن من فرض سيطرته على مفاصل الوزارة بما فيها التعيينات والتمديدات والاستدعاءات.. 

وبات يتحكم في مصير المئات من الدبلوماسيين والإداريين مستخدما في ذلك شبكات مصالح واسعة في الداخل والخارج وأداة تمويل أساسية هي ما يُعرف بالدخل الإضافي..

يعرف الجميع أن الدخل القنصلي هو إيراد قانوني يتم تحصيله مقابل خدمات كالتأشيرات والجوازات والطوابع بينما يمثل الدخل الإضافي رسوما غير قانونية يتم فرضها من قبل البعثات على معاملات الجاليات ويتم تحصيله منذ سنوات طويلة دون أي سند دستوري أو رقابة مالية حقيقية.. 

وقد كان الهدف منه في بدايته تغطية نفقات تشغيلية في بعض البعثات إلا أنه تحول إلى مصدر رئيسي للإثراء غير المشروع والتلاعب بالأموال العامة دون حسيب أو رقيب..

منذ انتقال مقر قيادة الوزارة إلى الخارج باتت عمليات التوريد والصرف تتم بطريقة غير شفافة حيث يتم توجيه مبالغ ضخمة إلى حسابات خاصة في دول أخرى ويتولى الوكيل المالي الإشراف الكامل على هذا المسار ..

وتقوم بعض البعثات بتغطية رواتبها من فوائض الدخل بينما ترسل الوزارة نفس المبالغ من المخصصات إلى حسابات خارجية وهو ما يطرح أسئلة جدية حول الازدواج في الصرف ومصير الأموال التي يتم ترحيلها دون أن تظهر في تقارير الوزارة..

الهيمنة لم تتوقف عند حدود المال بل تعدتها إلى التحكم في القرارات الإدارية للوزارة فقد أصبح الموقع المالي وسيلة لفرض الولاء والإقصاء وتمت صناعة شبكة من المحسوبين تتحرك بتوجيه مباشر من من مكتب الوكيل وتتحكم في تقييمات الموظفين واختيارهم وتوزيعهم على البعثات وتقرير مصير تمديدهم أو استدعائهم كل ذلك خارج إطار اللوائح المنظمة وبعيدًا عن الشفافية..

لقد عانى عدد كبير من المبعوثين من تأخر الرواتب وتراكم الديون وغياب التغطية الصحية في دول الاعتماد بينما كانت الوفورات المالية من مخصصات الصيانة وفوارق التأمين وإيجارات عقارات الدولة تُواجه بالصرف بتوجيهات مباشرة دون أي التزام بالقوانين المحاسبية أو الخضوع للمراجعة وتضاعفت المعاناة في ظل رفض المقترحات التي دعت إلى استخدام تلك الوفورات لصرف الرواتب بصورة مؤقتة إلى حين توفر المخصصات من الوزارة..

ساهم الدخل الإضافي في تدمير الوظيفة الدبلوماسية وتحويل بعض السفارات إلى مراكز جباية وتحولت بعض المناصب إلى مصادر مغرية للمصالح الشخصية وأصبحت البعثات تدار بعقلية السمسرة وليس وفق اعتبارات المصلحة الوطنية ومع غياب الإرادة الجادة للإصلاح تم تجاهل اللوائح التنظيمية الصادرة سابقا وتم الاكتفاء بالتوجيهات الشكلية التي لا تنفذ على أرض الواقع..

إن بقاء هذه المنظومة من دون إصلاح حقيقي يعمق من أزمة الوزارة ويكرس تدهور الأداء ويعزز من النفور العام من أداء الدبلوماسية اليمنية سواء في أوساط المغتربين أو الدول المضيفة ويمثل إنهاء العمل بالدخل الإضافي خطوة أولى وجوهرية في طريق الإصلاح الشامل لما يمثله من مصدر تمويل غير قانوني ومنبع للسلطة المالية الموازية..

لقد أصبح الإصلاح في وزارة الخارجية مرهونا بتجفيف منابع الفساد أولها هذا الدخل غير المشروع وفرض آلية موحدة للصرف والتوريد وإعادة الاعتبار للرقابة المالية واستقلال القرار الإداري عن الابتزاز المالي إنها مسؤولية القيادة الحالية التي عليها إن كانت جادة أن تبدأ بخطوة وطنية تتجسد في إعادة هيبة الوزارة وتحريرها من قبضة الفساد المستحكم فهل تفعلها قبل فوات الأوان..

* سفير بوزارة الخارجية