Logo

اليمن.. هوية تتصدع وأسئلة تبحث عن فلاسفة

 في زحمة الصراعات والحروب التي عصفت باليمن، ضاعت البوصلة، واختلطت الأوراق، وتوارت الحقيقة خلف أكوام من الأيديولوجيات التي أُلبست ثوب القداسة.

 لم تعد المسألة مجرد صراع على السلطة أو الثروة، بل تحولت إلى معركة وجودية تنهش في النسيج الاجتماعي والثقافي اليمني. 

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ليس عن من انتصر ومن هُزم، بل عن أي هوية يمنية نريد أن نعيد بناءها بعد أن مزقتها الأيديولوجيات التي تسربت إلى عقولنا وقلوبنا كالسم البطيء.

اليمن، هذا البلد الذي كان منارة للحضارة والتاريخ، أصبح ساحة لتصفية حسابات فكرية متطرفة، باسم الدين تارة، وباسم المذهب تارة أخرى. لقد ترك الكثيرون جوهر الإسلام، الذي يدعو إلى المحبة والرحمة والعدل، 

وتمسكوا بقشوره، ليتحول الدين في أيديهم إلى قارب رخيص يبحرون به نحو ضفاف مصالحهم الأنانية.

 لقد زرعوا الشقاق، وحولوا الناس إلى فرق ومذاهب، كل فرقة ترى نفسها وحدها على حق، 

وكل مذهب يرى في الآخر عدوًا يجب إقصاؤه. هذه الأفكار المريضة لم تكن نتاجًا داخليًا أصيلًا، بل هي أفكار وافدة، استغلها الأفراد والجماعات لتحقيق مكاسب شخصية، تاركين وراءهم وطنًا يتآكل وشعبًا يتضور جوعًا.

لقد استغل هؤلاء طيبة الناس وبساطتهم، وغذوا فيهم التعصب والكره، ليصبح اليمني عدوًا لأخيه اليمني لمجرد اختلاف في الرأي أو الانتماء.

 إنهم كمن يبيع الهواء الذي يتنفسه الناس مقابل سراب السلطة والمال، ويسقون العقول سمومًا من التعصب والكراهية باسم الدين. 

لكن، اليمن أكبر من كل هذه الأيديولوجيات وأعمق من هذه الصراعات. تاريخه أكبر، وحضارته أقدم. اليمن بحاجة اليوم إلى ثورة فكرية حقيقية، وليس إلى مزيد من الصراعات المسلحة.

 نحن بحاجة إلى فلاسفة، إلى مفكرين يخرجون الناس من هذه الأنفاق المظلمة التي حفرتها الأنانية والجهل.

نحتاج لمن يذكرنا بأن الإنسان اليمني هو الأصل، وأن الوطن هو الخيمة التي تجمعنا جميعًا تحت سقف واحد، 

وأننا أقوى بوحدتنا وتنوعنا لا بفرقتنا. إن التحرر من هذه الأفكار ليس إنكارًا للدين، بل هو عودة إلى فطرته السليمة، وإلى قيمته الحقيقية التي تؤكد على أن الدين لا يمكن أن يكون سببًا للفرقة. 

هو عودة إلى يمن متصالح مع ذاته، يمن يؤمن بأن قوته في وحدته، وأن مستقبله لا يمكن أن يُبنى على أنقاض الماضي المرير، بل على أساس من الفهم الجديد، والحكمة، والتعايش السلمي. 

هذا هو الزلزال الذي نحتاجه، زلزال يهدم كل قلاع الأفكار المريضة التي شيدها المتاجرون بالدين والوطن. 

هذه هي العاصفة التي يجب أن تهب على كل من يتاجر بالوطن والدين لمصلحته الشخصية، 

عاصفة من الوعي والتفكير النقدي، تعيد لليمنيين قدرتهم على التمييز بين الحق والباطل، بين المصالح الوطنية الحقيقية وبين المصالح الشخصية التي تتستر خلف شعارات براقة.

 فهل ننتظر المزيد من الخراب، أم نبدأ في البحث عن فلاسفتنا الذين يحملون على عاتقهم مهمة إيقاظ العقول وتحرير الأرواح؟